ألوانٌ من المآسي يتبنى الدفاع عنها الكفار

الأمر الثاني: من المضحكات المبكيات، أنه في الوقت الذي يشهد المسلمون -فيه فقط- من بين جميع شعوب العالم ألوان المآسي ولا تستطيع أن تجد أي شعب في العالم يعاني ما يعانيه المسلمون، واسأل نفسك سؤالاً: أين توجد المجاعة في غير الصومال والمناطق الإسلامية؟ وأين توجد عملية التصفية العرقية والقضاء على شعب وعنصر بأكمله في غير البلاد الإسلامية كالبوسنة والهرسك؟ وأين يوجد الحصار الاقتصادي في أي مكان في العالم؟ إلاَّ في البلاد الإسلامية كالعراق وليبيا!! حتى الحصار المزعوم على صربيا كذبُُ في كذب، وهي تتمتع بمنطقة بحرية، ولها صلات اقتصادية، وسياسية منوعة مع جميع دول العالم، فما يسمى بالحصار على صربيا ليس سوى حبرٍ على ورق، وأين يوجد الفقر في أي دولة من دول العالم؟ إلا في دول غالبها إن لم يكن كلها دولٌ إسلامية!! فالوقت الذي فيه للمسلمين نصيب الأسد من هذه المآسي، فإن مما يزعجك ويحزنك كثيراً أن الذين يظهرون تبني قضايا المسلمين والدفاع عن حقوقهم، هم النصارى والكفار، وأي خيرٍ في أمة يتولى عدوها الدفاع عنها، يُصاب المسلمون في أي بلد فلا يعلن الدفاع عنهم إلا منظمات حقوق الإنسان، ومنظمات العدل، والمنظمات الدولية الإنسانية في أوروبا وأمريكا وغيرها، التي هي في غالبها إن لم تكن كلها منظمات نصرانية، ليس للمسلمين أي وجود فيها.

هذا مثال أين الأمة التي جُعلت شاهداً على العالم، الأصل ما هو؟ الأصل: أن المسلمين كان يجب أن يدافعوا عن المستضعفين في كل بلد، قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء:75] .

فالأصل أن المسلمين هم الشهود على العالم: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] .

هم حُماة الفقراء، والضعفاء، والمأسورين والمقهورين، حتى لو كانوا من غير المسلمين!! أما اليوم فقد انعكست الآية، وأصبح من المضحك المبكي، أننا ننتظر منظمات حقوق الإنسان، حتى تُدافع عن المسلمين، أو تتكلم عن مُصاب المسلمين في تونس، أو مصر، أو في أي دولة من دول العالم.

نعم! لقد أصيب المسلمون بالجبن، والهلع، والخوف، والتمزق، فأصبح المسلم أولاً لا يشعر بمصاب أخيه، ولو شعر به فإنه لم يملك الشجاعة والجرأة أن يتكلم ويضع النقاط على الحروف، ويرفع عقيرته منادياً بإنصاف أخيه المسلم، في سجن الطاغية فلان، أو في بلد فلان.

إضافةً إلى أن المنظمات النصرانية الغربية، لم تكتف فقط بإصدار البيانات، والقرارات، والتقارير، وعقد المؤتمرات الصحفية، وفضح الأنظمة التي تضطهد المسلمين، وتتسلط على الشعوب الإسلامية، بل تعدت ذلك إلى خطوات عملية، فقامت بأعمال إغاثية ضخمة، ومساعدات قوية، في مصر -مثلاً- عقدت المنظمة التي ذكرتها -منظمة ميدل إيست- وهي منظمة من منظمات حقوق الإنسان في نيويورك، عقدت في مصر نفسها مؤتمراً صحفياً، وأعلنت في القاهرة نفسها أن حكومة مصر تضطهد المسجونين، وتضيق على المعارضين، وتزج بهم في السجون دون تحقيق ولا محاكمة، وتقتلهم بمجرد الظن، ورفعت صوتها، ونشرت الصحف خبرها، لكن أعطوني شريطاً مسجلاً واحداً، نتناقله عن أوضاع إخواننا المسلمين في مصر، وقُل مثل ذلك في تونس أو بلاد المغرب كلها، أو بلاد المشرق، أو سوريا، أو فلسطين، أو غيرها من بلاد الله.

أيضاً الصليب الأحمر تعدى مرحلة الكلام إلى مرحلة إيجاد أكثر من ثلاثين منظمة إغاثية في الصومال، ليست كلها تابعة للصليب، لكن كلها صليبية، وخصصت منظمة الصليب كما أسلفت، أكثر من (20%) من موازنتها لمساعدة المسلمين في الصومال، على حين أنك تجد أن المسلمين لم يفعلوا شيئاً يُذكر في هذا الصدد، بل أعجب من ذلك أنه في الأمس الذي ليس بعده إلا اليوم أني قرأت في جريدة الشرق الأوسط وغيرها، إعلاناً من كندا.

يقول الإعلان: أي إنسان يريد أن يحصل على الجنسية، والمميزات، ما عليه إلا أن يملأ هذه الورقة ويرسلها إلى السفارة صندوق بريد ورقم فقط، بغض النظر عن دينه، وجنسيته، ومن أي بلد، وما هي الأسباب وما هي الدوافع، وعليه أن يستفيد فوراً من النظام، لأن النظام هذا قد يتغير فيما بعد، فعليه أن يستفيد من هذه الفرصة السانحة التي قد لا تتكرر.

وقد حدثني شهود عيان، جاءوني بالأمس أيضاً، أنه يوجد في كندا وغيرها آلاف مؤلفة من الشباب الصوماليين -ذكوراً، وإناثاً، وكباراً، وصغاراً- يقيمون هناك، في إسكانات حكومية بالمجان، وتعطيهم الحكومة نفسها ما يسمى ببدل بطالة -مرتب تصرفه لهم باستمرار- ويعيشون في بحبوحة من العيش، وإذا حصل أي مشكلة اجتماعية بالمسلمين فإنها تحال إلى المراكز الإسلامية والجمعيات الإسلامية هناك، ويعاملون معاملة تليق بهم، باعتبارهم بشراً من البشر، لكن حدثوني أي بلدٍ إسلامي يفعل بعض هذا، ثم حدثوني -بارك الله فيكم- ما هو موقف المسلم البسيط المغفل، ضعيف الإيمان، قليل العلم، إذا وجد هذه التيسيرات والخدمات والمساعدات، ووجد أن النصارى قد هبوا معه بكل قواهم، وناصروه وأيدوه في محنته؟! ثم وجد أن أبواب المسلمين موصدةُُ في وجهه، وأن المسلمين لا يملكون له إلا التنقص والشتيمة والتهمة، وأن أبواب الدول الإسلامية وحدودها مغلقة، وأن السفينة ترسوا على شاطئ بحر لإحدى الدول، فتُمنع من النزول أياماً حتى يموت فيها أكثر من مائتين! ثم يؤذن لها بعد ذلك، نتيجة وساطات دولية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015