توعد بعض المصلين بالويل

والعجيب أنه مع هذه الفضيلة الظاهرة للصلاة, إلا أن الله تعالى توعد بعض المصلين، فقال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:4-7] فدَّل ذلك على أن العبرة ليست بالحركات الظاهرة فحسب, فهؤلاء القوم موصوفون بأنهم مصلون، ومع ذلك توعدوا بالويل، وهو العذاب والهلاك والنكال لهم, وما ذلك إلا لأنهم صلوا بأجسادهم وما صلوا بقلوبهم.

فأجسامهم في المساجد بين الصفوف, ووجوههم إلى القبلة, ولكن قلوبهم إلى غير القبلة، فقلوبهم إلى غير الله تعالى، قلوبهم إلى فلان الذي عنده مال ينتظرون أن يثق بهم إن صلوا فيأتمنهم على هذا المال, أو قلوبهم عند فلان الذي عنده فتاة يرغبون في التزوج منها, فيصلون حتى يطمئن إليهم ويمنحهم هذه الأمانة ويأتمنهم عليها، قلوبهم عند ذلك المسئول الذي يريدون أن يثق بهم فيعطيهم وظيفة أو رتبة أو ترفيعاً أو علاوة, فلهذا وجوههم إلى القبلة لكن قلوبهم إلى غيرها، ولهذا فإن الله تعالى توعدهم بالويل، فقال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] لم؟! لأنهم كما قال الله تعالى في الموضع الثاني: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] .

وهذا الأمر يقودنا إلى أعظم العبادات وأهمها وأكبرها, ألا وهي عبادة الباطن, عبادة القلب والسر, قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} [الروم:30] فالتوجه إلى الله تعالى والتوكل عليه، وإرادة وجهه في الأعمال، هو أعظم العبادات على الإطلاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015