كل جارحة لها معصية

وضد ذلك المعاصي, فإن معصية العين تسريح النظر إلى الحرام، كالصور والأشكال والمناظر.

ومعصية الأذن سماع الحرام، من غيبة أو نميمة أو شتم أو غناء, أو ما أشبه ذلك, مما يسخط الله تعالى.

ومعصية اليد أخذ الحرام، السرقة مثلاً، أو الأذى والاعتداء على المسلم.

ومعصية الرجل المشيْ إلى الحرام، في بيتٍ أو في سوقٍ أو في محل، أو في بلد قريب أو بعيد، فكل ذلك من معاصي الأعضاء، ولهذا قال القائل: لعمرك ما مديت كفّى لريبة ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الدهر إلا قد أصابت فتىً قبلي فهو يفتخر بأنه قد حفظ جوارحه عن المعاصي، ما مد يده إلى معصية، ولا مشت به رجله إلى غير مرضاة الله جل وتعالى.

وكذلك الحال في اللسان، وهو من أعظم الجوارح, وعبادته: ذكر الله تعالى، وتسبيحه، وقراءة القرآن, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك, والمعصية فيه ما يدخل في الغيبة، والنميمة، والقيل والقال, ونقل الكلام، والسب، والشتم، والاستهزاء بالمؤمنين إلى غير ذلك.

ولهذا كانت الصلاة من أعظم العبادات عند الله تعالى، لأنها جمعت كل ألوان عبادات الجوارح, ففيها عبادة العين في النظر إلى موضع السجود، وفيها عبادة الأذن في سماع تلاوة الإمام والإنصات له, كما قال الله تعالى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] وقال عليه الصلاة والسلام: {وإذا قرأ -أي: الإمام- فأنصتوا} .

وفيها عبادة اليد: بحركة اليدين أثناء التكبير, والركوع والسجود وغير ذلك, ووضع اليد على الصدر، أو على الركبة، أو على الفخذ, وفيها عبادة اللسان: بذكر الله تعالى، وقراءة القرآن, والتسبيح والتهليل والتكبير، وفيها عبادة الرجل: في الوقوف والقيام, وأثناء السجود وغير ذلك؛ وفيها عبادة سائر البدن، ولهذا إذا سجد المرء فإنه يؤمر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل في سجوده، أن يباعد بطنه عن فخذيه، ويباعد فخذيه عن ساقيه، وينصب قدميه, ويباعد عضديه عن جنبيه، حتى يأخذ كل عضو حقه من الطاعة والعبادة والسجود لله تعالى.

وفي حديث ابن عباس المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أمرت أن أسجد على سبعة أعظم} وذكر الجبهة والأنف فهذه عبادة للوجه والركبتين واليدين وأطراف القدمين، وهكذا الحال في الركوع والقيام, فإن البدن كله أثناء الصلاة يخبت لله تعالى ويعبده.

ولهذا كانت الصلاة من أعظم العبادات، وأشرفها، وأنفسها، وأكثرها تقرباً إلى المولى جل وعلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015