العبادة في هذا المخلوق المكرم

لِمَ خلق الله تبارك وتعالى هذا المخلوق الكريم المختار؟ خلقه للعبادة، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وهي إرادة الله تعالى في عمل الإنسان كافة, سواء تلك العبادات المحضة الخالصة, والقرب التي يراد بها وجه الله تعالى كالصلاة مثلاً، فإن الإنسان حين يصلي، لا يصلي حتى ينجو من المرض، ولا يصلي ليكسب المال، ولا يصلي ليحافظ على مكانته الاجتماعية مثلاً، وإنما يصلي ليبحث عما عند الله تعالى، من مرضاته ويخاف سخطه, ومثل ذلك الصوم والحج ونحوها من العبادات والقرب المحضة الخالصة, التي لا تفعل إلا لإرادة الدار الآخرة فقط، أما الدنيا فليس فيها مطمع دنيوي، بل قد يفوت الإنسان بها بعض الدنيا, فالزكاة فيها إخراج بعض المال الذي تعب العبد في جمعه، وكذلك الصلاة فإنها تأخذ من الإنسان وقتاً لو صرفه في الدنيا لاستفاد مالاً، ولكنه صرفه فيما يعتقد أنه أفضل وأنفع من الدنيا، قال تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:21] هذا من العبادة، ومن العبادة -أيضاً- أن يريد الإنسان وجه ربه بسائر الأعمال الدنيوية المباحة، كالتجارة -مثلاً- أو الزرع والحراثة, أو الاختراع, أو العلم, أو العمل الوظيفي إذا احتسب في ذلك الأجر عند الله تعالى، وأخلص وأدَّى الأمانة التي اؤتمن عليها، وأدَّى العمل على وجهه الأكمل, فإنه يؤجر على ذلك، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم {وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ قالوا: نعم.

قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر} .

إذاً علاقة الرجل بزوجته وهو يؤدي عملاً -كما يقولون- بيولوجياً فطرياً غريزة ركبت في العبد، لكنه إذا أراد بذلك عمل الخير، وتحرَّى بذلك الاحتساب وابتعد عن الحرام، كان له بذلك أجر، فأشار ذلك إلى أن كل عملٍ يعمله العبد من الطاعات أو المباحات، إذا أراد به ما عند الله تعالى؛ فإنه يؤجر على ذلك, حتى ما يضعه في فيِّ امرأته، فالطعام الذي يكدح من أجل أن يحضره لزوجته وأطفاله يؤجر عليه، بل قال بعض الشرَّاح في معنى الحديث: {حتى اللقمة يضعها الرجل في فم امرأته} أي: أن الرجل إذا تلطَّف إلى زوجته وأطعمها بيده, أو سقاها بيده, كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة أم المؤمنين زوجه عائشة رضي الله عنها، أنه بذلك يؤجر عند الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015