الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فهذه المحاضرة عنوانها (عشرون طريقة للرياء) ومعاذ الله أن يكون ذلك معناه فتح الباب للرياء, فإن الرياء مذموم شرعاً وطبعاً، وإنما المقصود التحذير منها, والإشارة بأصابع التخويف والزجر عنها.
وهذه المحاضرة تنعقد في ليلة العاشر من شهر ربيع الأول (1414هـ) في الجامع الكبير بمدينة تبوك عمرها الله تعالى بالطاعة والإيمان.
أيها الإخوة: الرحمن -جلَّ وعلا- خلق الإنسان وميزه عن سائر المخلوقات, ميزه أولاً بسلاح الجسم وحسنه، كما قال سبحانه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] فأنت لا ترى في سائر المخلوقات المرئية للعين ما يباري الإنسان أو يماثله في كمال الجسم، واستقامته، وتناسقه، وحسن أعضائه، وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى.
ثم إنه ميزه بميزة أخرى، وخاصية ثانية أعظم من ذلك وأكبر, ألا وهي العقل والتفكير والإنسانية، التي تميز بها عن البهائم والحيوانات والجمادات وسائر المخلوقات، ولذلك قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ} [الانفطار:6] فالإنسان المخاطب ليس هو الجسم فحسب, بل هو العقل والروح والنفس قبل ذلك, بدليل أنه لا يدخل في الخطاب المجانين مثلاً، لأنه رفع عنهم قلم التكليف، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود وغيره وهو صحيح: {رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصغير حتى يبلغ, والمجنون حتى يفيق} .
ولهذا كان العقلاء يعلمون أن أعظم ما امتنَّ الله تعالى به عليهم هو نعمة العقل والإنسانية، وأن الله - تبارك وتعالى- من فوق سبع سماوات يخاطبهم ويناديهم ويأمرهم وينهاهم، فأعظم منّة على الإنسانية؛ أن يختار الله من بينها رسلاً، كما قال -جل وعلا- {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران:164] .
ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا