ويحصل من جراء ذلك أمور ومشاكل قد لا يعلمها الكثيرون، لكننا نحن نعلم كثيراً منها، والجهات المعنية أيضاً تعلم الكثير من ذلك، ففي هدأة الليل يبدأ الحديث، وفي أحيان كثيرة، يحصل من جراء ذلك مفاسد أيضاً منها: أن هناك جهازاً يعيد المكالمة، فإذا اتصلت بشخص ما، ثم وضعت السماعة، استطاع صاحب الجهاز أن يعيد المكالمة، أي أن يتصل بك هو، حتى لو كان لا يعرف رقمك بالضبط.
فقد تتصل الفتاة -مثلاً- برجل، وتقول له شيئاً، أو تعبث معه، ولكنها لا تريد أن تطلعه على رقمها، ولا أن يتصل بها هو؛ ولكنه من خلال هذا الجهاز يتصل بها، وعندما يرن الجرس لديها، تفاجأ بأن هذا الشخص الذي كلمته قبل قليل؛ هو الذي على سماعة التليفون وتحت التهديد يهددها بأن يمسك الحرارة حتى يحضر ولي أمرها، إذا لم تنصع لأوامره، فتوافق على ما يريد خوفاً من والدها.
هذا الإزعاج الذي يحصل بالاتصالات العشوائية، هو محرم شرعاً، وهو مذموم عقلاً؛ فأما الشرع: فإنه إيذاء للمؤمنين والمؤمنات، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً َإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا ضرر ولا ضرار} .
فالضرر مدفوع، والأذى ممنوع، ولا يجوز لإنسان أن يؤذي أحداً بقول ولا فعل، ولا حركة؛ حتى لو كانت يسيرة خاصة وأن هذا الإزعاج يأتي -في أحيان كثيرة- في وقت الهدوء، ووقت الراحة، ووقت الخلوة بالأهل، ووقت النوم، فيتحول الجهاز -بهذا- من وسيلة اتصال نافعة، إلى ذريعة تخريب وفساد وإذا ابتلي الإنسان بمثل هذا وطال به الأمر، فبإمكانه أن يسلك أسلوب تغيير الرقم واستبداله، كما أنه يمكن مراقبة الرقم رسمياً، لاكتشاف الإزعاج المتكرر، ومنعه من ذلك.
من المفاسد: أن هذا الأمر يشغل الخط كثيراً، وقد يتصل أحد لديه ظرف طارئ، يريد الإخبار عن شيء، عن مريض، أو عن وفاة، أو عن حادث، ولكن عبثاً يحاول فالخط مشغول، ولكن بماذا؟! من مفاسده ومن أعظم مفاسده: دعاء الناس على مَنْ يؤذيهم: فبعض الشباب يحدثونني عن أشياء من هذا طويلة وعجيبة، قد يكون من يتصلون به رجلاً صالحاً، في هدأة الليل، وربما كان في صلاة، فإذا اتصلوا به؛ ظن أن هناك أمراً خطيراً، فإذا هو رجل يمزح ويعبث، أو بنت تعبث، فتجد أن هذا الإنسان الصالح يقول: أصابك الله بالموت، أعطاك الله بالسرطان، أعطاك الطاعون، أو غيره فهذا دعاء عليك من رجل آذيته، وربما في ساعة إجابة، وربما يكون من الصالحين، وقد يكون وقت قبول، وقد يكون منزعجاً لأنك أيقظته من نومه، أو قطعت عليه صلاته، أو أزعجته وأخفته، إلى غير ذلك.
وأحياناً قد لا يكون الشخص المُزْعج مستقيماً، فتسمع منه ما يسوؤك، وأقلها: أن تسمع شتم والديك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن علي ّ: {لعن الله مَنْ لعن والديه} ويدخل في ذلك من تسبب في لعنهما، فكثيرٌ إذا أُوذوا؛ شتموا والدي منْ آذاهم فتكون تسببت في لعن والديك، وقد تسمع مِنْ ألفاظ البذاءة والتعيير، والقذف لك ولأهلك ولأجدادك ولأسرتك؛ ما تشمئز منه نفسك فأي خير يرجى بعد هذا؟! بل بلغني أن بعض الناس لا يكتفي بالاتصال فقط، بل يزيد على ذلك لوناً آخر من الإزعاج، لا يكتشفه إلا الشيطان أو من أملاه عليه الشيطان، فيتصل ببعض الأسر الذين يعرفهم، ويعرف أن ولدهم مسافر إلى الرياض، فيقول لهم: فلان ولدكم قد حصل عليه حادث، وهو الآن في المستشفى ينازع محتضر، أو يقول لهم: إنه قد قطعه الحادث إرباً إرباً، وعليكم المجيء سريعاً لاستلامه من الشرطة، أو من المستشفى وقد حصل هذا، وأحدث في البيت إرباكاً وإزعاجاً لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهذا العمل (الاتصال، وتكريره، وضرب الأرقام العشوائية) يتحول أحياناً إلى نوع من الإدمان، الذي يصعب علاجه، فكلما وجد الفتى، أو وجدت الفتاة وقت فراغ ولو يسيراً، امتدت الأصابع عفوياً إلى أرقام الهاتف، تضغطها دون تفكير، وهي السهم الأولى التي تجر صاحبها إلى بؤرة الرذيلة والانحراف.
ومن عقوبات هذا العمل حرمان الإنسان من المتعة الحلال، وتعلق قلبه بالأصوات، وما تجره من خيالات وصور وهمية، وهي بذلك تفتح للإنسان باب السفر إلى الخارج، ومعاقرة الرذيلة في مواقعها وأماكنها، والخطوة الأولى تتلوها الثانية.