سعة الأفق

إن الكثيرين وقعوا ضحية التفكير الضيق، والإطار المحصور بسبب فساد التربية أحياناً، أو بسبب طبيعة التكوين والمواهب، فالكثيرون لا يرون إلا ما هو أمام أعينهم، واهتماماتهم في الغالب اهتماماتٌ صغيرة ومحدودة ومحصورة، لقد استحوذت مشكلةٌ خاصة محصورة صغيرة على تفكيري، وملأت في عقلي، ولسبب أنني لم أنشغل بما هو أهم منها، بل ربما لم أدرِ بما هو أهم منها.

فمثلاً: إنسان جاره فقير، لا يجد ألوان الأطعمة والمأكولات، فتجد أن هذا الإنسان يتصور أن مشكلات الدنيا انحصرت في هذا الجار الفقير، الذي لا يجد ألوان الأطعمة والأغذية والمأكولات، لكن لو تصور هذا الإنسان الآلاف المؤلفة، ممن يموتون جوعاً أو عطشاً أو فقراً، أو لا يجدون الغذاء أو الكساء أو الدواء؛ لتصور مشكلة هذا الجار الفقير في إطارها الطبيعي الصحيح.

ولذلك تجد أن الأمم في الأزمات الكبرى العامة التي تجتاح الأمة كلها، تتغير فيها التحالفات، وتتفاوت الاهتمامات؛ وذلك لأن صدمة الحدث وقوته غيرت تفكير الكثيرين، وأجبرتهم إجباراً على النظر والتفكير، واقتحمت مجالات ومدارات التأمل لديهم، واضطرتهم إلى تغيير اهتماماتهم، ولكن في أزمنة السلم والهدوء يتكرس عقل البعض كثيراً لما حولهم، وما يرون ويسمعون في محيطهم القريب، دون أن يفتحوا نوافذ العقول إلى سماع ورؤية ومشاهدة الهموم الكبرى التي تعدل اهتماماتهم.

أرأيت لو أننا -مثلاً- تصورنا التنصير الذي يهدد المسلمين -وقد تكلمت عنه كثيراً بما لا أجد حاجةً لإعادته الآن- فتصورنا خطر التنصير الآن على الأمة الإسلامية، في هذا البلد وفي كل بلد، وتصورنا خطر الصلح الذي يدار اليوم مع اليهود في ما يسمى بإسرائيل، وتابعنا ما يجري في الساحة الإسلامية، سواء في أفغانستان، أو في السودان، أو في البوسنة والهرسك، أو في جميع القضايا الإسلامية، وأمر آخر: لو أننا عرفنا نوع الانحرافات التي تقع من الشباب الموجود في مجتمعنا، ماذا يواجهون، وماذا يفعلون، ما حجم تأثير المخدرات، ما حجم تأثير الأفلام السيئة، وما حجم تأثير البث المباشر! ما حجم تأثير قرناء السوء! لوجدنا أمراً خطيراً.

لو أننا أدركنا المشكلات التي تعانيها المرأة في مجتمعنا، من الظلم أحياناً، والاعتداء على حقوقها، وبخسها ما أوجب الله تعالى لها، أو هضمها، أو منعها من الميراث، أو جهلها بدينها، أو غير ذلك، إلى عشرات بل مئات بل ألوف الاهتمامات، التي لو وضعها الإنسان كلها أمام نظره، لاعتدل أمامه الميزان فأعطى كل ذي حق حقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015