ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] وهنا لفتة مهمة جداً وهي أن القوة عند الله تعالى، والعزو لله: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [يونس:65] فالله تعالى له القوة والعزة، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، ولذلك قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] .
1- ولله جنود السماوات والأرض: فتذكر أن الله تعالى له جنود السماوات والأرض: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] فلا تقس الأمر بعدد جنودك أو بأسلحتك أو بإمكانياتك، فإنها متواضعة أبداً، إذا كنت قد نصرت الله تعالى، فتذكر أن الله تعالى عنده جنود، فالسماوات السبع كلها ملئا بالملائكة، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيها ملكٌ واضع جبهته لله عز وجل ساجد أو راكع أو قائم، يسبحون الله تعالى الليل والنهار لا يفترون، فالله تعالى إذا رضي عن عبده أو عباده أو عن أمته فهو يبعث هؤلاء الملائكة بالنصر المبين، قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] .
ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون قتيل الملائكة ببنانه، لأن الملائكة تضرب بنانه، فالملائكة جنود الله عز وجل وهم جنودٌ لا يرون، كما قال في الآية الأخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:9] والجنود الذين لا يرون لا سبيل إلى مقاتلتهم وحربهم أبداً، فالملائكة من جند الله عز وجل، ومن جند الله تعالى الرعب، كما قال: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال:12] ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه: {نصرت بالرعب يقذف في قلوب أعدائي} حتى إنه في بعض الروايات: {مسيرة شهر} فإذا أصيب العدو بالرعب فإنه لا نصر له بحالٍ من الأحوال.
ومن جند الله عز وجل الريح: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً} [الأحزاب:9] سلطها الله على الأحزاب المتحزبة على النبي صلى الله عليه وسلم، فأكفأت قدورهم وزلزلتهم وهدمت خيامهم فكانت لا تقيم لهم بناء، حتى قال بعضهم لبعض: إنه لا يمكن أن يكون لكم المقام فهلموا واذهبوا وارتحلوا فإنا مرتحلون، فالريح يسلطها الله على أعدائه.
ومن جند الله الزلزلة، كما قال جبريل عليه السلام لما انتهت معركة الأحزاب، جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -والحديث في الصحيحين- قال: {وقد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع السلاح، اذهب إلى بني قريظة فإني ذاهبٌ إليهم فمزلزلٌ بهم} فزلزل قلوبهم بالخوف والفزع والهلع فأصبحوا مهزومين قبل أن يخوضوا المعركة، ثم الزلزلة الحقيقية بالأرض فإن الله سبحانه وتعالى قد يسلط الزلزلة على عدونا فيزلزل الأرض من تحت أقدامهم، أو يأذن للأرض فتخسف بهم فتفتح فاها فتبتلع أعداءها.
كل هذا يمكن أن يكون، وهذا ليس كلام عجائز وليس ألاعيباً، بل هذا كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كل هذه الوسائل يجريها الله تعالى لجنده المخلصين الصادقين بعد ما يستفرغون وسعهم في الأسباب المادية وتجنيدها والإعداد والتعبئة ثم تقصر بهم وسائلهم المادية، فإن الله تعالى يسخر لهم كل هذه القوى والأسباب التي ليست بأيديهم.
ومن جنود الله تعالى الطوفان الذي أهلك الله به قوم نوح ونجى به نوحاً ومن معه من المؤمنين، ومنها الفيضانات، والبراكين، والحجارة من سجيل التي تنزل من السماء على عدونا، ومنها ومنها قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] فهذه كلها مجرد أمثلة أما عدد جنود الله فهذا لا يعلمه إلا الله تعالى، فما بالك إذا كان الله تعالى معنا وسخر لنا هذه القوى أو واحدة منها، كيف نتصور أن نهزم؟!