صفة المنصورين

ثم قال في صفة من ينصرهم الله ومن يسخر لهم هذه الإمكانيات؟ هل هم المزايدون أو المتاجرون بالكلمة؟ لا.

إنهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج:41] فلم يقل الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بل قال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] .

فهناك أمم وشعوب تقاتل وقد ترفع راية الإسلام، ومع ذلك لا تنصر، فيتساءل الناس: لماذا؟ نقول: لأن الله تعالى لم يقل في من يستحقون النصر: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة؛ بل قال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج:41] وما الذي يدريك -يا أخي- أن هؤلاء أو أولئك لو مكنوا في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فمعرفة الغيب عند الله تعالى.

ولذلك فإن معرفة الشعب أو الأمة أو الجيش أو الجند الجدير بالنصر هذا إلى الله عز وجل، ولا أحد -والله- يستطيع أن يحكم بأن المجاهدين في مكان كذا أو المقاتل أو الجيش الفلاني يستحق النصر لأنه كذا، وهذا كله ادعاء ورجم بالغيب، والرسول عليه الصلاة والسلام وهو رسول الله ومؤيد بالوحي من السماء ما كان يفتري على الله تعالى ولا يتألى ولا يقدم بين يدي الله عز وجل ويقول للصحابة: أنتم المنصورون، إنما كان يأمل ويرجو النصر من الله عز وجل فإذا رأى البشائر قال: {ابشروا، هذا جبريل يقود فرسه على ثنايا النقع في سبيل الله عز وجل} .

إذاً تحديد الأمة التي تستحق النصر أمرٌ لا يعرفه إلا الله تعالى، فقد علقه الله تعالى بأمر غيبي: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج:41] وكم من أمة ترفع راية الحرب في سبيل الله، لكن إذا نُصرت نكست وتخلت وغيرت مبادئها.

إذاً ربما لا يصبر الناس على النصر فيمنعه الله تعالى عنهم لحكمةٍ يعلمها، إنما ينصر الله تعالى الذين إن مكنوا في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور.

إن هؤلاء القوم يعتبرون أن التمكين في الأرض وكون الأمر لهم ليس غايةً يسعون إليها، إنما هو وسيلة لإقامة الصلاة بالناس وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالمين، فهؤلاء هم الذين يستحقون نصر الله تعالى وعونه وتأييده.

أيها الإخوة: يجب أن تمتلئ قلوبنا ثقة بالله عز وجل واطمئناناً إلى قضاء الله تعالى وقدره، فوالله الذي لا إله غيره لا يقضي الله تعالى قضاءً للمسلمين إلا كان خيراً لهم، إن المسلمين منصورون مهما كانت قوة عدوهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015