جمع الكلمة

الأمر الرابع الذي لابد أن تعد له الأمة هو: موضوع جمع الكلمة، فإن تمزيق الأمة لا يمكن أن يستفيد منه سوى عدوها، وحين نقول الأمة نقصد: الأمة المجتمعة على كلمة لا إله إلا الله بغض النظر عن اسم البلد التي تعيش فيه، أو شكل أو لون الإنسان أو أي شيء آخر من الصفات البشرية، فالأمة تجتمع على الإيمان لا على الحدود أو العوامل البشرية الأخرى، إن لسان حالنا يقول: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض، فالعدو أحياناً يمزق الأمة حتى يعبث بكل جزءٍ منها دون أن يلتفت إليه الآخرون.

لما أراد الغرب -مثلاً- أن يعبث بتركيا ماذا صنع؟ أول ما صنع أنه هدم الخلافة، وبذلك عزل الأمة الإسلامية عن تركيا، ففعل بتركيا ما أراد أن يفعله من العلمنة والتغريب والتخريب والفساد كما تعلمون، وهكذا بقية الدول لما انفصلت وانفصل بعضها عن بعض، أصبح ينفرد بكل دولةٍ منها فيفعل بها ما يشاء، هذا إذا كانت المسألة مجرد عزلة، فما بالك إذا تحولت القضية إلى عداوة مستحكمة بين شعوب المسلمين وأصبح المسلم يبغض أخاه المسلم ويحب الكافر يهودياً أو نصرانياً أو بعثياًُ أو غير ذلك، إن هذا لهو البلاء المبين! لقد استصرخنا إخواننا الفلسطينيون زماناً طويلاً، ثم استصرخنا الأفغان، ثم استصرخنا إخواننا المسلمين في الفلبين إلى غير ذلك، وربما كنا مشغولين عن صرخات إخواننا بهمومنا الشخصية، كان كل امرئٍ منا مشغولاً بهمومه الخاصة عن إجابة صرخات إخوانه المسلمين، وهانحن -أيها الإخوة- اليوم ندفع الثمن، إن من يخذل إخوانه المسلمين في كل مكان لا بد أن يدفع الثمن عاجلاً غير آجل.

فلنعلم -أيها الأحبة- أن رابطة الإيمان التي توحد هذا الجسم الإسلامي الكبير يجب أن تظل هي الرابطة الأولى، بل الرابطة الأولى والأخيرة بين المسلمين، وألا نسمح لأي سبب من الأسباب أن تمزق هذه الرابطة، ليس صحيحاً أن تأتي إلى شعبٍ من الشعوب فتقول الشعب الفلاني فيه كذا، وفيه كذا، وتعمم وتأتي بعيوب، لقد سمعت بأذني من هذا الكلام ما يؤذي، فتجد إنساناً -مثلاً- يقول لك: الشعب الفلاني فيه كذا وفي الخارج تجد كثيراً يتحدثون عنا، بأن فينا كذا وفينا كذا، وهناك نحن نتحدث عن آخرين، فنقول عن الشعب الفلسطيني أن فيه كذا وكذا، أو عن الشعب الأفغاني أن فيه كذا وكذا، والمؤسف أن هذا الأمر يتعدى النطاق الفردي أحياناً إلى نطاقٍ أوسع، فربما وجدت مدخلاً لهذا الكلام في بعض أجهزة إعلامنا من صحافة أو إذاعة أو تلفزة أو غيرها، فأصبحت بوعي أو بغير وعي تعمق هذه الهوة وتصور بعض الشعوب الإسلامية تصويراً غير صحيح.

إن تمزيق الأمة الإسلامية لا يستفيد منه إلا العدو: كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلام وإيمان 1- الاختلاف في وجهات النظر لا يضر: أيها الإخوة: الاختلاف في الرأي لا يضر، والاختلاف في وجهات النظر لا يضر، والاجتهاد وارد، ولا يعني اختلاف وجهات النظر تفريق الكلمة، أنا أتعجب أن اليهود -مثلاً- يخوضون معركة مع المسلمين، معركة ضارية ويستعدون لها استعداد الرجال فعلاً:- هم حاربونا برأيٍ واحدٍ عددٌ قُلٌ ولكن مضاءٌ ثابت النسق دأباً وعزماً وإعداداً وتضحية وبادروا غزونا في مكر مستبق يحدوهم أملٌ يمضي به عملٌ ونحن واسوأتاه في ظلة الحمق حارت قواعدنا زاغت عقائدنا أما الرءوس فرأيٌ غير متفق البعض يحسب أن الحرب جعجعة والبعض في غفلة والبعض في نفق قالوا الشعوب وهل نال الشعوب سوى قولٍ جزاف وإصلاح على الورق أقول: اليهود يحاربوننا الآن وهم أحزاب شتى وشيع واتجاهات متناقضة مختلفة، ويحصل بينهم في مجالسهم وبرلماناتهم صراع وجدل وقيل وقال، وأحياناً سب وشتم، ولكن مع ذلك سياستهم في حربنا موحدة، فلا ضرهم هذا الاختلاف الموجود بينهم في توحيد كلمتهم ضدنا، ولا كان هذا التوحيد لكلمتهم مدعاة إلى أن يحسموا أمورهم الداخلية لصالح طرفٍ من الأطراف.

فالمشكلة أننا نحن المسلمين لا نعرف أنصاف الحلول، إما نريد اتفاقاً (100%) على كل شيء، وإما أننا لا نلتقي أبداً، إما صفر أو (100%) لا يا أخي! قد نختلف في أمور كثيرة وفي وجهات النظر ويكون لكل واحد منا رأي، وقد أجد عليك في نفسي موقفاً معيناً، أو تجد عليَّ في نفسك موقفاً معيناً، لكن هذا كله لا يمنع أن نوحد كلمتنا وصفنا باتجاه عدونا، وأن ندرك أن أخوة الإيمان أكبر وأعمق وأوسع من كل خلاف يجري بين المؤمنين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015