الدعوة إلى التوحيد من الأصول لا من الفروع

Q هل الدعوة إلى التوحيد، وإلى تصحيح العقيدة، من الأمور الفرعية كما يزعم بعض المنتسبين إلى العلم؟ وما حكم من قال مثل هذا القول؟

صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى تصحيح العقيدة أصل وليست فرعاً، فالخطأ في الفروع، خطأ وصواب؛ لكن الخطأ في الأصول هدىً وضلال فالإنسان الذي يخطئ في عبادة من العبادات، أو في تطبيق حكم من الأحكام؛ يختلف كثيرا ًعن إنسان يخطئ في قضية اعتقاديه فالدعوة إلى تصحيح المفاهيم الاعتقادية، وبنائها على ضوء الكتاب والسنة، هو أصل في الدين وليس فرعاً، وهذا الأصل يبنى عليه غيره.

ولذلك فإن من الواجب على المسلم، وطالب العلم -بصفة خاصة- أن يحرص على تصحيح عقائد الناس، وليس من الضرورة أن يكون تصحيح عقائد الناس -وخاصة العامة من المسلمين- عن طريق بيان انحراف أصحاب الفرق الضالة -مثلاً- وكيف انحرفوا؟ وما هي الفرق المنحرفة في الأسماء والصفات، أو في غيرها؟ إنما الضروري أن يشرح لهم التوحيد الصحيح، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والذي فهمه منه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسائر الصحابة، وبلغوه إلى من بعدهم، وأن يقرأ عليهم الأحاديث التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، والأشياء التي ذكرها لأصحابه، ويكفي أن الناس بفطرتهم يعرفون ذلك.

فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى العرب، فكان يخاطبهم باللغة العربية، فيصف الله لهم بصفاته، ويسمي الله بأسمائه، ويذكر أفعال الله عز وجل، فماذا تتوقع من العربي القح الذي لم يدرس الفلسفة والمنطق وغيرها، عندما يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: {ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له، هل من تائب فأتوب عليه؟ وذلك حتى يطلع الفجر} .

وهذا الحديث المتواتر، ثابت ثبوتاً قطعياً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالعربي عندما يسمع هذا الحديث لا يفهم أن المعنى: تنزل رحمة الله، وأن رحمة الله هي التي تنادي؛ بل يفهم أن الله ينزل، وأن الله ينادي، دون أن يكيف هذا النزول بكيفية، أو يحده بحد، أو يتصور له شكلاً معيناً، ولو خطر في باله تصور معين، أو كيفية معينة، دفع ذلك وعرف أن الأمر كما قيل: كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] وقال: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه:110] .

فحين تقرأ عليهم الأحاديث، وأقوال الصحابة والتابعين، في الله عز وجل، في أسمائه، وأفعاله، وفي غير ذلك من أبواب الإيمان، وتشرح له ذلك شرحاً مبسطاً، بل حتى لو لم تشرح ذلك؛ لفهم كثير من الناس -بالفطرة- المعنى الصحيح الذي تدل عليه هذه الأشياء، إلا أن يكون سبق إلى فطرتهم ما يفسدها.

أما العامي فليس بالضرورة أن يعرف الفرق الضالة، والرد عليها، وما أشبه ذلك من الأمور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015