Q ما حكم فعل المولد؟ وما حكم من يقول: إن المولد مباح أو سنة؟
صلى الله عليه وسلم فعل المولد بدعة لم يعرفها المسلمون في عصورهم المفضلة؛ إنما عرفوها عند طريق احتكاكهم بالنصارى الذين كانوا يعملون الموالد لنبيهم، والواقع -أيها الإخوة- أن المسلمين اليوم تحول حبهم واتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم من اقتداء حقيقي به، وبحث عن سنته وعمله، والتأسي بذلك؛ إلى مجرد -لا أقول: حب في القلب؛ بل إلى مجرد- دعاوى يتفوهون بها بألسنتهم، وما أكثر ما تسمع من يدعي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم! أين الحب؟! هذا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ليس فقط إنساناً تحبه، ثم تتركه إلى غيره! وأصبحت القضية مجرد أقوال تقال، لا رصيد لها من الواقع، ولا دليل عليها؛ فكيف تحبه ثم تعبر عن هذا الحب بأسلوب لم يشرعه لك صلى الله عليه وسلم؟! ولو سألناكم أيها الإخوة! وسألنا من يقيمون المولد بصراحة، هل نحن أكثر محبة للرسول صلى الله عليه وسلم من أبي بكر، وعمر، وبقية الصحابة؟ لكان الجواب بالإجماع لا من التابعين، أو تابعيهم؟ الجواب: كلا.
بل هم أكمل محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منا، وأعظم توقيراً له ومعرفةً بقدره.
إذاً: فما الذي كان يمنعهم من أن يحيوا المولد، خاصة وأنهم حديثو عهد به صلى الله عليه وسلم وقد جرت عادة الناس إذا مات عندهم ميت، أن يحيوا ذكرى وفاته، ويسمونها -مثلاً- الذكرى بعد أسبوع ذكرى الأربعين ذكرى كذا ثم كل ما بَعُد الزمن؛ قلت هذه المناسبات، حتى تختفي.
فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، عاش بين أظهرهم، وأحبوه من كل قلوبهم، وكان أحب إليهم من نفوسهم، ومن الماء البارد على الظمأ، ويفدونه بآبائهم وأمهاتهم، ولما قيل لـ خبيب بن عدي وهو يصلب في مكة: [[أتحب أن محمداً مكانك صلى الله عليه سلم، وأنك سالم في أهلك؟ قال: والله ما أحب أني سالم في أهلي، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم تصيبه شوكة]] فهذا هو الحب الصحيح.
فإذا حلق شعره صلى الله عليه وسلم، فإنها لا تسقط شعرة من أيديهم، فكل واحد يأخذ شعرة من شعرات النبي صلى الله عليه وسلم، ليحتفظ بها؛ وذلك لأن الاحتفاظ والانتفاع بآثاره الحقيقية في حال حياته صلى الله عليه وسلم، أمرٌ ليس فيه أدنى بأس.
وكذلك إذا بصق؛ أخذوا بصاقه صلى الله عليه وسلم، وإذا توضأ؛ كادوا يقتتلون على باقي وضوئه إلى هذا الحد من الحب!! وماذا تتصورن حين مات محمد صلى الله عليه وسلم؟ أقفرت منه المدينة وأظلم كل شيء فيها، وأصبح الصحابة كالغنم المطيرة.
فـ أبو بكر يدخل عليه وهو مُسَجَّى قبل أن يوسد في قبره صلى الله عليه سلم، فيقبله، ويبكي، ويقول: [[طبت حياً وميتاً يا رسول الله]] فهي محبة عميقة، والله لا يشعر بها ولا بقليل منها أولئك الذين يدعون محبته، من خلال أشياء يقيمونها، وخطب رنانة يلقونها، وقصائد يرددونها.
خذ على سبيل المثال: هذا الشاعر الذي كتب قصيد البردة، وهو البوصيري الذي يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إلى آخر القصيدة هذا الرجل الذي يظن كثير من الناس أنه قال هذه القصيدة من فرط حبه للرسول صلى الله عليه وسلم؛ ابحث عن ديوانه، واقرأ ديوانه؛ تجد أن هذا الرجل شاعر متكسب، يأتي إلى هذا فيمدحه ويأخذ ماله، ويأتي إلى الآخر فيمدحه ويأخذ ماله، وقضى حياته كلها بهذا الشكل! اقرأ ديوانه، واقرأ سيرته ليس أكثر من ذلك فهو ليس عالماً أو ليس إماماً أو عابداً، ولا شيء من ذلك؛ ولكنه رجل قوي في نظم الشعر -أي يملك موهبة- فصار هذا الشعر يأسر قلوب كثير من الناس، ويرددونه.
إذاً: فقضية محبة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ليست دعاوى تقال باللسان؛ وإنما هي حقائق توجد في القلب فتنطبع على الجوارح.