اتباع الأئمة الأربعة للسنة النبوية

ولا شك أن الله عز وجل قد منَّ على هذه الأمة، بأئمة جهابذة، وعلماء أفذاذ، أناروا لهذه الأمة الطريق، وهدى الله بهم الخلق إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونفع الله بهم أمماً عظيمة، وخلَّد ذكرهم في التاريخ ومن أعظم هؤلاء الأئمة، الأئمة الأربعة الذين بقيت مذاهبهم، وانتشرت في أقطار الأرض، وهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله أجمعين.

فهؤلاء الأئمة: إنما يغترفون من بحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكما قيل: (وكلهم من رسول الله مغترف) فإنما هم يأخذون من هديه ومن سنته، ويقول كل واحد منهم: "إذا صح الدليل فهو مذهبي، وإذا صح الحديث قلت به".

روى الأئمة الذين ترجموا للإمام الشافعي كـ البيهقي، والرازي وغيرهما: "أن رجلاًَ جاء للإمام الشافعي فسأله عن حديث أصحيح هو أم لا؟ قال: نعم صحيح، قال: وتقول به أنت يا إمام؟! فغضب الشافعي، وأحمر وجهه! وقال لهذا السائل: هل رأيتني في كنيسة؟! أرأيت في وسطي زِنَّاراً؟! وغضب! وقال: حديث يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به كيف هذا؟! ولذلك نال هؤلاء الأئمة من المكانة عند المسلمين ما نالوا؛ لشدة متابعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وشدة تحريهم لهديه، وبعدهم عن مخالفته في كل شيء، إلا فيما لا بد للبشر منه، ولكن إذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اختلفوا؛ فمن بعدهم أولى بالاختلاف، والاختلاف أمر لا بد منه، وإنما الشيء الذي يجب على المسلم أن يعيه ويسمعه ويفهمه، هو المنهج الصحيح في هذا الاختلاف، وفي مواجهته.

وخلاصة ما يتعلق بموضوعنا الآن هو: أن كل اختلاف فمرده إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه إذا صح الحديث، فكل واحد منا يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، قلت به، ولا حاجة لأن أقول: الأئمة أعلم مني بهذا الحديث، أو أعرف مني به لو كان صحيحاً لقالوا به، أو لو كان هذا معناه لقالوا به؛ لأنك حينئذٍ قد أحلْتَ سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقاعد أو إلى المعاش، واستبدلت بها آراء هؤلاء الأئمة، وهذا ما لا يرضيهم؛ لأنك حينئذٍ كما تكون خالفت هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، تكون خالفت هؤلاء الأئمة الذين تتبعهم وتسير على نهجهم.

إذاً: فالحديث هو المقدم، وهؤلاء الأئمة إنما يغترفون من بحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كتاب الله تبارك وتعالى.

فيجب عليك أيها المسلم! أن تعظم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتربي في قلبك تعظيم الحديث، فإذا سمعت كلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليها بكليتك بقلبك وقالبك، واحرص على فهمها ومدى صحتها وثبوتها، ثم ابن على ذلك العمل بها، والدعوة إليها، واعرف أنك بهذا لن تخرج عن قول إمام من الأئمة، فما من شيء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا وقال به بعض هؤلاء الأئمة أو كلهم.

فهذه أشياء مما يتعلق بالأخطاء التي يقع فيها كثيرٌ من المسلمين، في تحقيق معنى شهادة أن محمداً رسول الله، والإنسان الذي يطمع في رحمة الله، ويطمع في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، عليه أن يقف مع نفسه وقفة صدق، ويتأمل مدى تحققه وامتثاله للمعاني التي آمن واقتنع بأنها هي المعنى الصحيح للشهادتين.

وفقني الله وإياكم لصالح القول والعمل، وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015