إخوتي الكرام: لو أن الواحد منا كانت عنده شركة زراعية أو تجارية؛ لوضع له في نهاية العام أو في وسط العام ميزانية يحسب أرباحه وخسائره، وما له وما عليه، ثم يقرر هل يستمر أو لا يستمر، فإذا وجد أن الخسارة تتوالى عليه، فحينئذ يقول: من المصلحة أن أصفي هذه الشركة وأنتهي منها، ولو اتجهت فيما بعد إلى عمل آخر، لكن الخسارة غير مطلوبة.
فما بالكم -أيها الإخوة- بخسارة الأبد، فخسارة الدنيا يمكن أن تعوض، لكن ما بالك إذا خسر الإنسان نفسه!! ما بعد خسارة النفس من شيء، هذا العمر وهذه الأنفاس التي تتردد، هي التي يجازي الله تعالى عليها ويحاسب، أهل الجنة إنما دخلوها بأنفاسهم وأعمالهم وأوقاتهم، وأهل النار إنما دخلوها بأوقاتهم، ولذلك يقول الله عز وجل في كتابه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:36-37] تدبر: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] .
إذاً: العمر -أيها الإخوة- هو الذي تجزون عليه وتحاسبون، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فهو ورقة بيضاء تكتب فيها ما شئت، اكتب فيها الحسنات تجز بالجنة، اكتب فيها السيئات تجز بالنار، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.