ومن أسباب فضيلة هذه العشر من ذي الحجة: أن فيها يوم عرفة، وهو يوم ما طلعت الشمس ولا غربت على أفضل منه، وفيه تكفير للذنوب، ومغفرة للخطايا، وستر للعيوب، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من يوم أكثر أن يعتق الله عبداً من النار من يوم عرفة، وإن الله تعالى ليدنو ثم يباهي بهم -أي بعبيده الحجاج -الملائكة يقول: ما أراد هؤلاء؟} فهذا يوم عرفة، وسوف يأتي فضل صيام هذا اليوم.
كذلك من أسباب فضيلة العشر: أن فيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر، وهو يوم العيد، يأتي العيد وأول أيامه اليوم العاشر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة، فوجد للأنصار يومين يلعبون بهما؛ قال: {إن الله تعالى قد أبدلكما بهما يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى، وهما عيدنا أهل الإسلام} فيوم عيد الأضحى هو من الأيام التي تعتبر شعائر يفرح بها المسلمون ويسرون، وهو يوم الحج الأكبر، كما قال الله عز وجل: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة:3] فأذَّن المسلمون بهذا في يوم العيد، يوم الحج الأكبر يوم النحر، وهو أفضل الأيام عند الله تعالى على الإطلاق، كما في السنن من حديث عبد الله بن قرط الثمالي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الأيام عند الله يوم النحر} وهذا الحديث سنده صحيح، ولذلك فلا غرابة أن تكون أيام العشر هي أفضل الأيام، حيث احتوت على هذين اليومين الفاضلين العظيمين عند الله عز وجل، يوم عرفة، ويوم النحر، يوم الحج الأكبر.
وهي تحتوي على أيام العيد التي تشمل يوم العيد، وما بعده من أيام التشريق، ولذلك جاء في السنن من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب} فأما يوم عرفة فهو عيد من جهات عديدة، ولذلك جاء في الحديث الذي في صحيح البخاري: أن يهودياً قال للمسلمين: لو علينا معشر يهود نزلت هذه الآية، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، وفي رواية: عيدنا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فقال عمر رضي الله عنه: [[والله إني لأعلم في أي مكان نزلت، وفي أي يوم نزلت، نزلت في يوم جمعة في يوم عرفة]] وجاء في رواية عند أصحاب السنن: [[في يوم عيد]] فعرفة عيد؛ باعتباره مجاوراً ليوم العيد وسابقاً ومقدمة له، وهو يوم سرور للمؤمنين لكثرة تكفير الخطايا، وتجاوز الله تبارك وتعالى عن عباده، حيث إنه يدنو، وجاء في رواية: {أنه ينزل إلى السماء الدنيا، ويباهي الملائكة بعباده فيقول: ما أراد عبادي؟ هؤلاء أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم} وجاء في رواية: {ووهبت مسيئهم لمحسنهم} ففي هذه الأيام العشر تتحقق هذه الفضائل الكثيرة، ولذلك كانت هذه الأيام العشر أفضل الأيام عند الله تعالى كما سبق.