من الأعمال المشروعة في هذه العشر، وهو العمل الرابع المشروع: الأضحية.
والأضحية مشروعة بإجماع المسلمين كما ذكره جماعة من أهل العلم، لم يخالف في مشروعية الأضحية أحد، بل إن من أهل العلم من ذهب إلى أن الأضحية واجبة على الموسر، ذهب إلى ذلك الأوزاعي وأبو حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد، مال إليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أيضاً مذهب ربيعة بن عبد الرحمن، وجماعة من فقهاء المالكية.
أما الجمهور -جمهور المالكية والشافعية والحنابلة- فإنهم يذهبون إلى أن الأضحية سنة، ولعل هذا أقرب؛ لأن الأحاديث الذي استدلوا بها على الوجوب قابلة للتأويل كما سوف يأتي ذكر بعضها.
يقول الله عز وجل: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] فشعائر الله تشمل الأضحية، وتعظيمها أي: استسمانها واختيار أفضلها وأغلاها وأنفسها، وذبحها قربة إلى الله عز وجل، ويقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:1-3] فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالنحر، ويدخل في ذلك نحر الهدي ونحر الأضاحي؛ ولذلك ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنه عليه السلام أقام بالمدينة عشر سنين، يضحي طيلة هذه السنين العشر، لم يترك الأضحية ولا سنة واحدة.
وقد ثبت في الصحيحين: {أن النبي صلى الله عليه وسلم، ضحى بكبشين أقرنين أملحين، ووضع رجله على صفاحهما، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي، ويقول: عني وعن من لم يضح من أمتي} فالأضحية سنة عند الجمهور، واجبة عند بعض أهل العلم.
أ/ أدلة من أوجب الأضحية: روى الإمام أحمد وابن ماجة والدارقطني بسند حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا} وهذا مما استدل به بعض أهل العلم على وجوب الأضحية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وبخ من ترك الأضحية وهو غني واجد، وقال: لا يقربن مصلانا أي: من لم يعد الأضحية ويجهزها، ولم ينو أن يضحي فلا يقربن المصلى، وهذا ليس صريحاً في الوجوب، بل لعله دليل على عدم وجوب صلاة العيد.
أما الدليل الثاني الذي استدلوا به على وجوب الأضحية: فهو ما جاء في الصحيحين من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم النحر، فقال: {من ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها، ومن لم يذبح فليذبج، أو من لم يضح فليضح} قوله: فليضح، أمر يدل على الوجوب.
والواقع أن هذا يصلح أن يقال: إنه أمر بعد الحظر، كما يقول الأصوليون: أمر بعد الحظر؛ لأن ذبح الأضحية قبل صلاة العيد باعتبارها أضحية لا يجوز؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ومن لم يضح} أي: لم يذبح قبل الصلاة؛ فليضح الآن بعد الصلاة فهذا وقت ذبح الأضحية.
ب/ وقت ذبحها وما يلزم من أرادها: ومما يتعلق بأحكام الأضحية: أنها تذبح بعد صلاة العيد، ولا يجوز ذبحها قبل الصلاة؛ لما في المتفق عليه من حديث البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم، فجاء البراء وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى، وأن عنده جذعة هي خير من مسنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذبحها، ولا تجزي عن أحد بعدك} فدل على أن هذا من خصائصه، وأنه لا يجوز للإنسان أن يذبح قبل الصلاة، ومن ذبح بنية الأضحية فليعد ذبيحته.
ومما يتعلق بالأضحية: أن من نوى أن يضحي؛ فإنه لا يجوز له أن يأخذ من شعره ولا من بشره ولا من أظافره شيئاً، منذ دخول العشر، كما في حديث أم سلمة في صحيح مسلم: {إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يأخذ من شعره ولا من بشره شيئاً} وفي رواية: {ولا من أظفاره} فمن أراد أن يضحي عن نفسه -وهذا لا يدخل فيه الوكيل الذي وكل عن غيره، إنما من أراد أن يضحي عن نفسه، سواء باشر الأضحية أو وكل غيره- فإنه لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئاً، منذ دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته.
ج/ شروط الأضحية: ومما يتعلق بأحكام الأضحية أنه لابد فيها من شرطين: الشرط الأول: السن.
لابد من مراعاة السن المشروعة، وهو أن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية مما سواها، والجذعة من الضأن: هي ما تم لها ستة أشهر، والثنية مما سواها: هي المسنة، وهي من الإبل ما تم له خمس سنوات، ومن البقر ما تم له سنتان.
أما الشرط الثاني في الأضحية: فهو السلامة من العيوب.
ولذلك جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح، عن البراء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أربع لا تجزيء في الأضاحي: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء} وفي رواية: {الكسيرة التي لا تنقي} أي التي ليس فيها مخ، قد ذهب مخها من الهزال والضعف، فهذه أربع لا يجزئ أن يضحي بها الإنسان، ولابد من مراعاة هذين الشرطين في الأضحية.