بعض مجتمعات الشباب قد يكون فيها نوع من القضاء على الشخصية، يشعر الشاب بأن شخصيته تصهر وتذاب في وسط إخوانه, ليس له شخصيه إذا قدم رأياً أو تحدث بخبر؛ أو سأل عن شيء؛ يقال له: من الذي سألك عن هذا الرأي؟! ونحن أعلم بهذا الأمر.
فيشعر الشاب بأنه لا يستطيع أن يحقق ذاته في وسط هؤلاء القوم الطيبين, إما أن يتخلى عن شخصيته وإما أن يتخلى عنهم.
وحينئذٍ ينقسم الشباب في مثل هذه الحالة إلى فئات: 1- منهم من يكون إنساناً ذا مواهب وذكاء وعنده قدرات، فيترك هذه البيئة وقد ينحرف, ولا يجد القرناء الطيبين، وقد يسيء الظن بهم, وهذا يحصل.
2- وقد يكون الشاب ضعيف الشخصية تابعاً مقلداً؛ فيستمر معهم, لكن لو تغير عليه الشخص الذي يحتك به, كأن يكون انتقل إلى بلد آخر أو حي آخر أو مكان آخر، وتعرف على أناس آخرين وتغير عليه أصدقاؤه؛ فإنه قد ينحرف ولا يستطيع أن يعيش مع هؤلاء الأصدقاء الجدد, حتى لو لم ينحرف فإنه قد يتمسك بهذا الشخص أو بهؤلاء الأشخاص أكثر مما يتمسك بالمبدأ؛ وهو الدين الذي اجتمعوا عليه, ويصبح عنده نوع من التقليد والتبعية تمنعه من نقد الأخطاء، ونقد الأخطاء لا بد منه.
فينبغي أن يكون للشاب قيمته ومكانته في المجتمع الصغير الذي يعيش فيه, له رأيه وله مشاركته وله احترامه وتقديره.
كذلك يلاحظ أن الشاب الذي يدخل مع زملاء طيبين؛ قد يشعر أنه لا بد أن يدفع ضريبة قوية حتى يستمر معهم, مثلاً: لا بد أن يشارك في كل النشاطات، ولا بد أن يحضر محاضرات، ولا بد أن يحفظ شيئاً من القرآن، ولا بد أن يحضر الدروس العلمية، وهو غير مؤهل لذلك ولا يرغب في ذلك، وقد يكون جاء من بيئات منحرفة تماماً, فيشعر أن هذه ضريبة باهظة لا يستطيع أن يؤديها, وبالتالي يبحث عن أناس آخرين.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل إنسان بحسبه, والناس مثل الآنية، منها إناء كبير يسع كثيراً من الماء، ومنها إناء صغير، فأنت تعطي كل إنسان بحسبه, ولذلك في الصحيحين، {يأتي رجل فيسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والزكاة والصوم والحج، فإذا انتهى منها قال: هل عليَّ غيرها؟! قال: لا, فيقول بعدها: والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا ولا أنقص، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق} .
ينبغي أن يوجد مكان في أوساط الطيبين والصالحين، حتى لمن يريد أن يلتزم فقط بشعائر الإسلام, بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج, ويبتعد عن المحرمات.
وحين أقول هذا عما يتعلق بالدعاة وطلاب العلم والطيبين؛ فإن هذه الأشياء هي قطرة مغمورة في بحر حسناتهم, وهم على ما هم عليه خير الناس وخير القبائل, ولكن هذا لا يمنع من وجود أخطاء، ولا يمنع من الحديث عنها لتعديلها.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والثبات، إنه ولي ذلك والقادر عليه, وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.