كثر ولكن عديدٌ لا اعتداد به

Q فضيلة الشيخ! جزاكم الله خيراً -كما تعلمون- أن الإسلام ما انتشر في الأرض إلا ببركة الله، ثم بخروج الصحابة والتابعين لنشر الإسلام بالكلمة الطيبة إلى كل مكان, واليوم ترى أن أعداد المسلمين الطيبين في تزايدٍ في داخل البلاد الإسلامية، وليس لهم جهدٌ واضح في الدعوة إلى الله, سواءً بين الكفار داخل بلادهم, ولا حتى في الخارج, وتبذل معظم جهودهم في قضايا خلافية قد تكون مهمةً، ولكنها ليست لها الأولوية, فهل الخلل في الدعوة أم المسلمين اليوم، أرجو التعليق؟ وجزاكم الله خيرًا.

صلى الله عليه وسلم على كل حال, أعتقد أنه من المسلم به أن الإسلام هو دين الله عز وجل، وأنَّ العصمة هي لهذا الدين الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم, فالمسلمون يصيبون بقدر قربهم من الإسلام, ويخطئون بقدر بعدهم عن الإسلام.

والإسلام هو الأمر الذي يجب أن ندعو المسلمين جميعاً إلى تطبيقه والعمل به, وندرك -بديهياً- أن كل خطأٍ فإنما قائماً هو بسبب بعدهم عن المنهج الرباني, فلو حسبنا عدد الصحابة؛ لوجدنا أن الإحصائية تقول: عدد الصحابة الذين حضروا فقط حجة الوداع, كانوا مائة وأربعة عشر ألف سؤالٌ آخر: عدد الصحابة الذين دفنوا في المدينة المنورة مقبرة البقيع محصورةٌ محدودة, وعدد القبور فيها قليل كما هو معروف.

إذاً: أين ذهب هؤلاء؟! منهم من دفن في الشام, أو العراق, أو مصر, أو تركيا, أو بلاد ما وراء النهر, أو في مناطق من الجزيرة العربية مختلفة كـ اليمن, إلى غير ذلك.

إذاً هذا يدل على أن جيل الصحابة فعلاً كان جيل دعوة, ولذلك ساحوا في الأرض كلها، وكانوا تجديدًا للأمم كافة.

أما اليوم فالصورة عكسية، المسلمون أصبحوا ليست القضية قضية مائة وأربعة عشر ألف، الإحصائيات الرسمية، وهي تحسب المسلمين الجغرافيين، تقول: ألف مليون ومائتا مليون عدد المسلمين؛ ومثل عدد الرمل والحصى والتراب، ولكن كما قال الشاعر: كثر ولكن عديد لا اعتداد به جمع ولكن بديد غير متسق حارت عقائدنا زاغت قواعدنا أما الرءوس فرأيٌ غير متفق يكفينا أن يوجد في المسلمين اليوم، ولو نسبة (1%) ممن يحمل في قلبه هم الإسلام, القضية هي قضية أن يوجد قلبٌ يشتعل بهم الإسلام, وإذا وجد هذا القلب انتهى كل شيء، لأن الإنسان يستطيع أن يعطى مما عنده وينفق مما عنده, هذا إنسانٌ استطاع أن يخدم من خلال موقعه وفى بلده، ونفع وسدَّ ثغرةً لا يسدها غيره, وآخر ذهب إلى بلاد أخرى, وبلاد العالم الإسلامي اليوم كلها تتطلع، ومع الأسف الشديد- لو نظرنا للنصارى؛ لوجدنا أنهم يأتون عمالاً -أحيانًا- وموظفين صغار، ويضحون بالكثير, ويأتي شباب النصارى ذكوراً وإناثاً في سن المراهقة، ويتركون الحضارة والرفاهية والتنعم وألوان الملذات في بلادهم, ويأتون إلى بلاد المسلمين إلى الصومال مثلاً، أو إلى غيرها, حيث الجوع والعطش والفقر والمرض والخطر ويتعرضون للموت, وقد حدثني أحد الشباب من هذا البلد: الذين ذهبوا إلى هناك، كيف أنهم رأوا أولاداً وبناتاً من أولاد الأوروبيين في سن الثامنة عشرة جاءوا إلى هناك, وتجد أن أصحاب الدماء الأوروبية وهؤلاء البيض، تجد أن أسفل أقدامهم وسيقانهم قد اسود من أثر الشمس والجهد والمشي والتعب, وتجدهم مع المسلمين ومع الأطفال, والذباب, والمرض, والخطر, والتلوث, والفقر, من أجل ماذا؟ يقول الله: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] .

الكنيسة ومجلس الكنائس يُجند مئات الألوف من المسلمين، في إندونيسيا, في بلاد المشرق العربي, وفي روسيا، وفي كل مكان, أما المسلمون فلا يزالون يتحدثون عن هذا الأمر مجرد حديث فقط, أو يتكلمون عما فعله الغرب وعما فعله النصارى, أما أن ينتقلوا إلى مرحلة المشاركة, فلا زال الأمر يتطلب جهدًا أكبر, ويتطلب إخلاصًا, ويتطلب مبادرات شخصية من الناس.

لا تنتظر أحداً يا أخي، من تنتظر أنت؟ هل تعلم اليوم أن هناك جهة هي المسئولة عن الإسلام؟ ليس هناك جهة في العالم الإسلامي كله مع الأسف, إنما القضية قضية مبادرات من المؤمنين، أفراداً كانوا أو مؤسسات، أو غير ذلك, مبادرات تأخذ الزمام وتتقدم، وتعلن للمسلمين، وتحاول أن تشركهم في مثل هذه الأعمال، ويبذل كلَّ واحد منا ما يستطيع في هذا السبيل، بحيث نستطيع أن نتغلب على هذه المشكلة.

أحياناً نحس أن هناك جموداً وخموداً في القلوب, على سبيل المثال تلك، الإحصائية التي أعلنت في الجرائد قبل شهر أو أكثر, أثبت التعداد السكاني أنه يوجد في هذه البلاد، أكثر أو قريب من أربعة ملايين إنسان من غير أبناء هذه البلاد, وأجزم أن هناك نسبةً ربما تصل إلى (50%) من غير المسلمين من هؤلاء الناس.

إذاً: مليوني إنسان مقيمون هنا، غالبيتهم ليسو أطفالاً أو صغارًا, إنما هم من الناس الراشدين، الذين يستطيعون أن يفهموا، وأن يسمعوا، ويقرءوا، ويناقشوا, إذاً ما هو مجهودنا مع هؤلاء؟! ماذا بذلنا معهم؟! هم في بلادنا, وتحت تأثيرنا، ويشاهدوننا، ونستطيع أن نخاطبهم ونحادثهم ونحاورهم، ونعطيهم الكتاب والشريط, وإذا لم نستطع -على الأقل- نأخذ بيد الواحد منهم إلى فلان وإلى علاَّن، دعه يفتح معه نقاش عن الإسلام, وعن الدعوة, فمن الممكن أن يسلم هذا الإنسان, وإذا لم يسلم؛ فعلى أقل تقدير أثرنا عنده تساؤلات، أو شككناه في دينه, وقد يسلم بعد خمس أو عشر سنين, وإذا لم يحدث هذا ولا ذاك؛ فمن المؤكد أن مثل هذه المناقشات، ومثل هذه الجهود إذا كثفت وكثرت واستمرت، أقل تقدير أنها سوف تضعف من حماسهم لدينهم, وبالمقابل تجد من هؤلاء مع أنهم في بلادنا من يستميتون لدينهم.

وقبل فترةٍ ليست بالبعيدة، كشف رجلٌ هندوسي هو عبارة عن موظفٍ صغير مستخدم، لكنه تظاهر بالإسلام، وأتى بجوازاتٍ مزورة تدل على أنه مسلم, وهو هندوسي, وكان يجمع التبرعات، ويجمع زملاءه، ويقيم الطقوس، ويتواصى معهم، ويرسل التبرعات إلى بني جنسه في الهند, في هذه المنطقة بالذات، وظل سنتين, من أجل ماذا؟ ما كان للراتب نفسه؛ بل لأنه كان يجمع التبرعات ويرسل بها إلى جمعيات هندوسية, ويكشف.

ومن النصارى أمثال هؤلاء؛ بل الغريب أنهم يتعرضون للمخاطر الكبيرة في سبيل دينهم، ويعقدون الاجتماعات, ويتصلون حتى بأبناء هذه البلاد, ويفعلون أشياء كثيرة، وعندنا الوثائق, مع أنهم يتعرضون للخطر, ولكن عندهم حماس وعندهم استبسال.

أنت أيٌ خطرٍ عليك إذا دعوت إلى الإسلام؟! وأي خطر عليك إذا وزعت كتاباً باللغة العربية أو بغيرها؟! وأي خطرٍ عليك إذا وزعت شريطاً بلغةٍ أو بأخرى؟! وأيُّ خطرٍ عليك إذا أخذت واحداً منهم إلى أحد المشايخ أو الخطباء أو العلماء؛ ليناقشه ويدعوه إلى الإسلام؟ لكن القضية قضية وجود قلب يشتعل بهم الإسلام, وأنا أسألك يا أخي إذا كنت لا تحمل هذا القلب الآن, هل عندك نيةٌ بأن تحمله في المستقبل؟ أقول لك: كم سوف تعيش من عمر؟ ألا تعلم أن العمر واحد, وأن العمر ما يؤكل إلا مرةً واحدة, والفرصة المتاحة لك على ظهر هذه الأرض فرصةٌ واحدة لا تتكررُ أبداً, إذاً ليس أمامك مجالٌ آخر، ولا فرصة أخرى, إذا كنت لا تحمل القلب الآن فسارع إلى الحصول عليه, وهناك أناسٌ ما عندهم قلبٌ أصلاً, ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق:37] أي: أنه وجد معه قلب صحيح المضغة موجوداً في الصدر, لكن خواء وهواء، لا يحمل هذا القلب أيَّ شعور, ولا عاطفة, ولا إيمان, ولا تفاعل, ولا تفكير, بل يرى الآيات والنذر؛ فلا يعتبر بها: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015