أولاً: شدة الخوف ظاهر على الوجوه، وعلى الكلمات المتقطعة، وعلى القلوب الراجفة، وعلى النفوس القلقة قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ أن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة:150] {الَذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:39] وهكذا ندرك أن الخوف من الله تعالى وحده شرط للإيمان {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ أن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] فمن الناس من يخاف على نفسه؛ فتجده يلجأ للهرب بنفسه أو بأهله أو بماله، من مجرد هذه الإذاعات والإشاعات التي أصبحت تدق نواقيس الخطر، وينسى هذا الإنسان أن هذه الإذاعات تتاجر بالأخبار، فقد يأتي خبر عادي فتحرص كثير من الإذاعات على تضخيمه وتكبيره وتهويله، حتى تلفت إليها نظر الناس وتكسب مزيداً من المستمعين إليها.
ولذلك حين تسمع طريقتهم في إذاعة الأخبار؛ تجدها طريقة فيها قدر من الإثارة، ويعرفون كيف يخاطبون نفوس الناس، فليس حقاً أن يتأثر الإنسان بمثل هذه الإذاعات والإشاعات، ويصاب قلبه بهذا الفزع والرعب، حتى كأن الإنسان لا يملك من الإيمان بالله والثقة والتوكل عليه رصيداً أبداً! حتى الخوف على الدين، حين تسمع بعض الغيورين على الدين؛ تجد خوفاً غير طبيعي في نفوسهم، نحن نقول بكل ثقة وإيمان: لقد انتهت مرحلة: {اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم} وأما الآن وإلى قيام الساعة مرحلة: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس} لا زالت ترن في أذني -والله- كلمة جبريل عليه الصلاة السلام، حين جاء إلى ذرية إبراهيم وقد وضعهم في البيت الحرام عند الكعبة، فقال لهم: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه.
كم جيوشٍ تحطمت على صخرة الإسلام، هذه الجزيرة هي جزيرة الإسلام، الإسلام في كل شبر منها، في كل حفنة من ترابها، في كل ذرة من هوائها، في كل حجر من جبالها، في كل لحظة من تاريخها، في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، هي من الإسلام بدأت وإلى الإسلام تعود.
أليس يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الدين ليأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها} ؟ أليس يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} {أخرجوا المشركين من جزيرة العرب} وكل هذا دليل على أن هذه الجزيرة جزيرة الإسلام وعاصمة الإسلام، وأن الدين يعود ويحن ويرجع ويجتمع وينضم إليها، حين تضيق عليه بلاد الدنيا.
حتى بلاد اليمن، صح فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: {الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية} ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: {أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة} ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: {إني لأجد نفَس ربكم من قبل اليمن} أي: تنفيسه وتفريجه عن كربات المؤمنين , ولا عبرة بوقت أو لحظة حاضرة، فإن العبرة بالوضع الغالب، فإن نصر الإسلام يأتي غالباً من هذه الجزيرة، فهي بلاد الإسلام، ولا خوف على الإسلام -أيضاً- لا في هذه البلاد ولا في غيرها، لا خوف على الإسلام أبداً، وكيف نخاف على الإسلام ونحن ندرك أن تاريخ الإسلام المستقبلي مرتبط بالعرب أيضاً، والقبائل العربية! وأذكر حديثاً قرأته في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: {مازلت أحب بنى تميم منذ ثلاث سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيهم سمعته يقول: هم أشد الناس على الدجال.
وفي رواية مسلم: هم أكثر الناس قتلاً في الملاحم.
وجيء بصدقاتهم فقال صلى الله عليه وسلم: هذه صدقات قومنا.
وكان عند عائشة رضي الله عنها سبيّة منهم، فقال: أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل} إذاً تاريخ الإسلام مرتبط بهذه البلاد في ماضيه وحاضره ومستقبله.
ومن الخطأ أن نعتقد أن الإسلام يضيع إذا حدث كذا وكذا، نحن قد نضيع.
وقد ننتهي، لكن الإسلام باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إلى أن يبعث الله تعالى الريح الطيبة، فتقبض أرواح كل مؤمنٍ ومؤمنة ولا يبقى إلا شرار الناس، أما قبل ذلك فالإسلام باقٍ، ومن المحال -شرعاً- أن تستحكم الجاهلية على بلاد المسلمين.
هذه حقائق قطعية ثابتة لاريب فيها ولا شك، وينبغى أن تكون مصدر أمن واطمئنان لكل قلب فزع مذعور يخاف على مستقبل الإسلام.
نخاف على مستقبلنا نحن، أو نخاف أن نكون قصرنا في حق الله تعالى وفي حق الإسلام، أو نخاف أن نكون فرطنا فنلقى الله تعالى آثمين مقصرين، كل هذا صحيح.
أما أن نخشى على الإسلام فهذا خطأ، الإسلام دين الله وللبيت رب يحميه، وفعلاً عبد المطلب كان يعرف حقائق الأمور، حين ذهب إلى أبرهة الذي غزا الكعبة بكل هدوء أعصاب وبرودة، ولما قال له ماذا تريد؟ قال: أريد إبلي، أخذتم مني مائة بعير أرجعوها.
قالوا له: عجيب! هذا البيت الذي هوتراثك وتراث آبائك وعزك، ونحن أتينا لهدمه ومع ذلك لا تطالبنا بالكف عنه! تطالب بمائة بعير، كيف سودك قومك وهذا عقلك؟ فقال عبد المطلب بلهجة الواثق: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه.
ومع أن عبد المطلب كان كافراً، فقد كانت ثقته كبيرة بالله جل وعلا، ومن المؤسف أن كثيراً من المسلمين اليوم يفتقدون هذه الثقة بالله تعالى، نحن بحاجة إلى أن نقول: نحن نعمل وندعو ونجاهد في سبيل الله عز وجل؛ حرصاً على أن لا يقع منا تقصير نؤاخذ به أمام الله تعالى، أما قضية الإسلام فهي محفوظة، وهذا دين الله تعالى.