وبهذا حققوا أهدافاً عديدة سوف تظهر بعد قليل، لعل من أهمها: التخلص مِنْ وضع ربما لا يكونون راضين عنه تماماً، ربما يكون خرج عن المدار بعض الشيء، فضلاً عن الإيحاء الشديد بأهميتهم ومدى الحاجة إليهم في كل وقت، وفي نفس الوقت أعتقد أنهم أوقعوا العراق في فخ يصعب الخلاص منه، فهو أصبح ذئباً وإن كان ذئباً إلاأنه وقع في المصيدة أيضاً.
فبعد ذلك حصل وضع إعلامي، وحديث عن جدية التهديدات العراقية، ولابد من ضمان أن لا يتوسع العراق أكثر مما توسع، فكان الجو ملائماً لوجود تدخل أو ما يسمى بالقوات المتعددة الجنسيات، ومن بينها قوات عربيه كما هومعروف، وكانوا يصرحون بأن هدفهم في ذلك؛ أنهم لا يمكن أن يوافقوا على أن يتحكم مثل الرئيس العراقي في نصف مخزون النفط العالمي، فرافق دخول قواتهم صخب إعلامى مؤداه: جدية هذه التهديدات العراقية لاكتساح المنطقة، خاصة مع وجود تحالفات عراقية عربية تزيد من خطورة الموقف.
بوصول هذه القوات وجد نوع مما يسمى بالردع، فالقوات العراقية لا يمكن -والله تعالى أعلم- أو هذا الوضع لا يمكن أن يمنح القوات العراقية من التقدم، وفى نفس الوقت أعلنت القوات المتعددة الجنسيات؛ أن مهمتها مهمة دفاعيه وليست مهمة هجومية، بمعنى أنها فقط تريد منع العراق من التقدم، وليست تريد أن تهاجم الأراضي العراقية، هنا يمكن أن نلاحظ مشكلة، وهي وضع الكويت الذي يعتبره العراق جزءاً من أراضيه، ويعتبر الدخول فيه اعتداءاً على أرض عراقية، في حين أن دول العالم الأخرى كلها تعتبر أن أرض الكويت أرضاً كويتية، ويجب أن تعود للكويتيين أنفسهم، ويخرج منها العراق، ولهذا فليس من المستغرب؛ أن هذه القوات تفكر بأنه لابد من تطهير الكويت باعتبارها أرضاً كويتية وليست عراقية، وهذا يعتبر دفاعاً وليس هجوماً، وهذا يحتمل أن يكون فتيلاً قابلاً للاشتعال في أي لحظه، ويمكن أن تنتهي الأمور عند هذا الحد الذي وصلت إليه الآن، ويتوقف التصعيد في منطقة الخليج لفترة معينة، بحيث ينتهى الفصل الأول من المسرحية عند هذا الحد، ويبدأ فصل جديد يستثمر التحالفات العراقية العربية، الأردن وسوريا والجزائر واليمن إلى آخره، للتحضير لهجمة عراقية على إسرائيل، حيث تقول العراق: إن إسرائيل تستهدف العراق من خلال قواتها.
المهم أن إسرائيل إن حصل عليها اعتداء فسوف ترد بقوة، وهي بلاشك تفوق العراق من حيث التقنية المتطورة والإمكانيات التسليحية المتقدمة، وتستطيع بأن توجه إلى العراق ضربة قوية، وبذلك تدمر جزءاً كبيراً من قوته، وقد تدمر المفاعل النووي الذي سبق أن دمرته بمفاجأة غريبة، وبني مرة أخرى بمساعدة دول عربية.
فهذه أحد الأهداف لمثل هذا العمل، على أن هذه الامور كلها مجرد احتمالات: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] وليس ببعيد أن يأتى التدمير من الداخل -كما أسلفت- بتشجيع أي حركة بتغيير الوجوه والقيادات.
وعلى فرض نشوب حرب حقيقية أو حرب تمثيلية بين القوات العراقية والقوات المواجهة لها، فإن من أكبر المآسي التي يفزع لها القلب المؤمن؛ أن هذه الحشود التي يجمعها صدام تحتوي -كما أسلفت- على طائفة من المغفلين من أبناء الإسلام الذين خدعهم بالخطاب الديني، وحرك فيهم العواطف وألهب فيهم الحماس، فنسوا التاريخ الماضي، ونسوا التجارب السابقة، وانساقوا وراء هذه الشعارات الإعلامية الكاذبة، وما أكثر ما ينساق المسلمون وراء الإعلام المضلل! وقد يذهبون وقوداً للحرب بالوكالة عن غيرهم، لايعرفون نتائجها ولا أهدافها، ولايدرون أتنتهي لصالح هذا الطرف أو ذاك؟ وسيواجههم أيضاً مثلهم.
وهكذا يصدق ما ورد في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يأتى على الناس زمان لايدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قُتِل} مسلم مؤمن موحد يقتل تحت راية لا يدري أي راية هي! ولا يدري لماذا يقاتل؟ ولا لماذا قتل؟ تسيرهم أطماع الشرق أو الغرب، وأطماع فلان أو علان، فينساقون وراءه بدون وعي ولا بصيرة، لوكانوا من دهماء الناس وهمجهم ورعاهم؛ لقلت: هذا شأنهم في كل زمان ومكان.
لكن يؤسفك أن يكون هؤلاء من رواد المساجد، أو يكونوا من القوم الذين يُظن فيهم الصلاح.
كما أنه ليس من المستحيل أن يولد هذا الضغط العالمي المتزايد؛ دافعاً لأن يقول الرئيس العراقي كما قال شمعون: "علي وعلى أعدائي.
" ويدمر نفسه ومن حوله ويغرق المنطقة إن استطاع في بحر من الدم أو في جحيم من اللهب، ونسأل الله جل وعلا أن يقي المسلمين شره وشر غيره، وأن يقيهم شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ للمسلمين بلادهم وأمنهم واستقرارهم، ويحفظهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم إنه على كل شىء قدير.