وأنت تعلم ماذا لقي الرسول عليه الصلاة والسلام كما في حديث عائشة في الصحيحين لما عرض النبي عليه الصلاة والسلام نفسه على أبناء عبد ياليل بن عبد كلال وهم في الطائف فردوه رداً قبيحاً، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم مهموماً لماذا؟ هل كان يطلبهم ملكاً، أو جاهاً، أو سلطاناً، أو زوجة ينكحها؟ كلا.
ليس ذلك كله، إنما كان يطلبهم هذه الكلمة قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فردوه رداً قبيحاً، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم وهو مهموم على وجهه حتى لم يستفق كأنه كان في ما يشبه الغيبوبة عما حوله إلا وهو بقرن الثعالب وإذا هذه السحابة قد أظلته، ومع شدة ما أصابه منهم صلى الله عليه وسلم هذا ملك الجبال، ثم يسلم ملك الجبال: (مرني بما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين) لو كان غيره صلى الله عليه وسلم لقال افعلها، ويكونون عبرة لغيرهم، لكن من شدة الإشفاق والحرص قال: {لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً} الفارق بين دعوة النبي عليه الصلاة السلام وأخلاقه وغيره! الآن أنا وأنت لو كان عندنا جار لا يصلي تصبر عليه خمس سنوات، يمكن ندعوه أو لا ندعوه، ونقول: لعل الله يهديه، ونتلطف له بالقول، ونبذل له المستطاع، لكن لو أنك لقيت هذا الجار في الشارع يوماً، فقلت له: يا فلان لا نراك في المسجد، فقال: يا أخي! ليس لك علاقة، وأنتم أشغلتموني، أشغلكم الله، وكل يوم واحد واقف عند بابي، وأنتم فيكم وفيكم، ولا تستحون، ولا تخجلون، وصار يتكلم عليك، تجد أنك تغضب لنفسك اليوم، الشيء الذي صبرك خمس سنوات عليه لا يجعلك تملك نفسك هذه الساعة لأنه قد نيل من شخصك، فتجد أنك تغضب، ثم تبدأ تستعيد أشياء ماضية، وهذا فيه وفيه، وتجمع كل ما عليه، ليس ديناً الآن، وإنما غضبت من أجل نفسك.