آيات الله معروضة في الكون والنفس

قال بعدها: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] وفي هذه الآية الوقفة الثانية.

وهي أن آيات الله تعالى معروضة في الكون وفي النفس: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:53] ولكن العبرة بمن يتلقى هذه الآيات، ويستمع إليها أوينظر إليها بجوارحه، ثم يعتبر فيها بقلبه.

فالشمس آية من آيات الله، ولو تصور الإنسان الجرم الهائل لهذه الشمس، وكيف أن الله تعالى بقدرته جعلها تطلع من المشرق، ثم تذهب إلى المغرب بهذا الانتظام، لرأى أمراً عجاباً، فهذه الشمس ينظر إليها المؤمن فيزداد إيماناً وقوةً ويقيناً وثقة بالله عز وجل، وينظر إليها الكافر فلا تحدث عنده شيئاً مع أنها هي هي، وما الفرق إلا لأن هذا لديه أجهزة استقبال صحيحة (عقل وقلب وحواس) وأما الكافر فقد عطَّل هذه الأشياء، مع أنه قد يكون خبيراً أكثر من المسلم بهذه الأمور، فقد تجد الكافر عالماً فلكياً عنده أرقام وإحصائيات، وكم حجم الشمس، وكم جرمها، وكم بعدها عن الأرض، وما هي طبيعة حركتها، وما علاقتها بالأرض، وعلاقتها بالقمر، وعلاقتها بالأجرام الفضائية الأخرى، وفي وقت الصيف، وفي وقت الشتاء إلى غير ذلك، فقد تجده عالماً بالأفلاك ومع ذلك لم يستفد، أو تجده عالماً بالإنسان فهو يتكلم عن جسم الإنسان، وعن أعضاء الإنسان، وعن الأجهزة الموجودة فيه، وعن قوتها وعملها، وما فيها من الآيات والعبر، ولكنه يتكلم عنها كما لو كان يتكلم عن مسألة رياضية لا تحرك في قلبه ذرة من الإيمان، ولا من المحبة لله عز وجل، ولا من الخوف منه، لماذا؟! لأن أجهزة الاستقبال عنده معطلة، فالحواس التي أعطيها السمع والبصر وبقية الجوارح لم يستثمرها، وكذلك القلب لم يستثمره، فهو يشتغل بعقله لا بقلبه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] .

فلا بد للإنسان من أمرين: الأول: أن يكون له قلب، فالذي ليس له قلب لا ينتفع من سمعه ولا من بصره ولا مما يرى، فيرى العجائب والغرائب فيما خلق الله، وفي المصائب التي تنزل في الناس، وفي والحوادث وفي غيرها ولا يلتفت إليها، ويسمع بأذنه من العبر، والدروس، والأخبار، والوعد، والوعيد، والقرآن أشياء كثيرة، فلا ينتفع من هذا ولا من ذاك، لأنه ليس له قلب.

الأمر الثاني الذي لا بد منه للإنسان هو: هذه الجوارح التي هي منافذ ومعابر إلى القلب، فالله تعالى قد امتن على الإنسان بالسمع وبالبصر وبغير ذلك من القوى التي يتمتع بها، كما قال: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] وكما قال: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ} [الإسراء:36] أي: القلب: {كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فلابد من هذا وذاك، ومن لم ينتفع بقلبه لم ينفعه سمعه ولا بصره، ولهذا قال الكفار يوم القيامة اعترافاً: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10-11] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015