ثم يذكر الله تعالى نوعاً من الكلام الذي يجري يوم القيامة: {وَقَالَ قَرِينُهُ} [ق:23] الإنسان الذي هو مناط التكليف -هناك جدل حوله الآن- له قرين من الملائكة: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وله أيضاً قرين من الشياطين -كما هو معروف- كلهم حاضرون معه، فالآن القرين من الملائكة يقدم كشف الحساب أمام الله عز وجل: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [ق:23] يقدم أوراقه، وسبق أن الإنسان معه ملكان، فحينئذ يقول الله عز وجل للملكين: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق:24-26] هذا إنسان عاصٍ فاجر فجزاؤه جهنم.
أما القرين من الشياطين فيتبرأ: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [ق:27] أي: لست أنا الذي أطغيته، إنما هو من نفسه كان محباً للشر باحثاً عنه، وقد ذكر الله تعالى براءة الشياطين ممن أطاعوهم: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:22] فهاهنا قال: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [ق:27] الإنسان بطبيعته لا يقر بهذا، بل يلقي باللائمة على الشيطان ويلومه ويعاتبه كما جاء في آيات أخرى، فالله عز وجل يقول لهم: {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:28-29] فهذا الذي قيل له: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق:24] هو صائر إلى النار، لأن أمر الله تعالى نافذ كما قال تعالى: (لا يبدل) {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30] ألقي فيها ثم ألقي ثم ألقي كما أمر الله، وكما قال عز وجل: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} [الملك:8] يعني يلقون فيها أفواجاً بعد أفواج، أمم: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ} [الأعراف:38] حتى يقول الله عز وجل للنار: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30] أي: أريد المزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {فينزوي بعضها إلى بعض، وينضم بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، وعزتك يا رب} وبعضهم يقول: إن قولها: هل من مزيد، أنها تقول: لا مزيد على ما وضع وألقي فيّ، ويحتمل إن كان الأمر كذلك أن يكون هذا بعد أن يضع الله تعالى فيها قدمه، فهذه هي النتيجة الأولى، نتيجة الإنسان العاصي الكافر.