حال المؤمن

وبالمقابل: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:31-35] فهذه هي النتيجة الثانية للاختبار، نتيجة من أطاعوا الله تعالى، واتصفوا بصفات المتقين وتركوا المعاصي، واتقوا الكفر بالإيمان واتقوا المعصية بالطاعة، وصبروا في هذه الدنيا فكان مصيرهم ذاك، وما بينهم وبين أن يلقوا هذا المصير إلا: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق:19] .

ثم قال: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [ق:33] لماذا اتقوا؟ وهل تعتقد أن الإنسان التقي أقل من غيره طمعاً في الدنيا؟ أو أقل من غيره في وجود الدوافع الشهوانية لديه؟ أو أقل من غيره بصراً ومعرفة بسبل الوصول إلى ما يريد؟! لا، فأنت قد تجد المتقي في نفسه من الشهوة مثلما في نفس غيره أو أشد، وعنده من تذوق اللذائذ في الدنيا مثلما عند غيره أو أشد، وعنده من معرفة الطرق والأسباب الموصلة إلى ذلك في الدنيا مثلما عند غيره أو أشد، ولكنه فطم نفسه عن هذا كله، وهو يعرف -لو أراد- الطريقة إليها.

إذاً لماذا حرم نفسه من ذلك كله؟ لأنه من المتقين، هذه هي التقوى.

ثم قال: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [ق:33] أي: لأنه خشي الرحمن بالغيب، فخاف الله تعالى وهو لم يره، وأيضاً خاف الله تعالى وهو غائب عن عيون الناس، فهو لا يعمل العمل من أجل الناس فإذا خلا بمحارم الله تعالى انتهكها، ولكنه يخاف الله رب العالمين، فيراقبه في الملأ كما يراقبه في الخلا: إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب لهونا عن الأيام حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب فياليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوب وقد كان الإمام أحمد يتمثل بهذه الأبيات.

ثم قال: {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:33] وأنت تلاحظ في هذه السورة وفي غيرها كثرة وصف الإنسان الخيِّر بالتوبة، والرجوع والإنابة، حتى هنا قال: {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:33] وقال: {لِكُلِّ أَوَّابٍ} [ق:32] أي: رجَّاع وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة:222] لأن الإنسان لابد له من زلات، ولابد له من أخطاء، ولابد له من غفلة، فالآيات هذه تحثه على أن يسارع بالتوبة، ويكثر منها أيضاً، ولا يقول: أخشى أن لا أصبر على هذه التوبة، بل يتوب ويرجو الله أن يثبته ويصبره عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015