فوائد الإيمان المفصل

الإيمان المفصل أقوى وأعظم تأثيراً في النفس، وأبعد عن أن ينساه العبد، وأبعد عن الشبهات، ولو أن إنساناً أُخبر بوجود بلد من البلدان العظام الآن في الدنيا، فآمن بوجود هذا البلد كان هذا إيمانا مجملاً، لكن إذا أعطي هذا الإنسان تفصيلاً، وقيل له: إن هذا البلد فيه عدد من المدن هو كذا، وعدد الولايات كذا، وعدد سكانه كذا، وجغرافيته كذا، وتربته كذا، وفيه من العجائب كذا، وفيه من الغرائب كذا، وصار ويسرد له التفاصيل، ويسرد، ويسرد فإنه يتولد حينئذٍ عند هذا الإنسان من هذا التفصيل مزيد من اليقين، ولم تبق عنده كلمة غامضة، بل أصبحت كلمة بمجرد ذكرها تتداعى أشياء كثيرة.

مثلاً: قيل له: أمريكا -إذا كان لا يعرف عنها أي شيء- وذكر أمريكا لا يوجد في ذهنه أي تداعيات، لكن إذا ذهب وزار البلد، ورأى فيه الخضرة، ورأى فيه الشلالات، ورأى فيه العجائب ثم رجع، فبمجرد ما يسمع كلمة أمريكا يتداعى إلى ذهنه -وهذا تركيب فطري عند الإنسان- صور عظيمة، فيتذكر في لحظة واحدة -والله جعل في العقل قدرة على هذا- كل الصور التي ذكرها والتي رآها، والتي سمع بها أو قرأ عنها، فتتداعى بمجرد ذكر كلمة واحدة.

وهكذا المؤمن بمجرد ذكر كلمة يوم القيامة، وهي كلمة مكونة -مثلاً- من خمسة حروف، تجد أنه مباشرة يقفز إلى ذهنه صورة الصراط المنصوب، وصورة الميزان الموضوع، وصورة هؤلاء الخلائق الذين يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وصورة النار وهي تفور، وصورة الجنة وقد قربت للمؤمنين، تداعت كل هذه المعاني في ذهنه بمجرد ذكر يوم القيامة؛ لأنها من ضمن الإيمان بيوم القيامة، فهذا من فوائد الإيمان المفصل.

كما أن الإيمان المفصل في أمر من أمور الدنيا، عندما تعطي تفصيل عن بلد تجد عندك رغبة ولهفة في زيارته، والانتفاع والاستفادة مما فيه، والوقوف على عجائبه، فكذلك الإيمان المفصل بالدار الآخرة يجعل عند الإنسان شوق، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: {وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة} فالإنسان الذي يرى في الدار الآخرة هذه الألوان من النعيم، ويرى فيها السلامة من الآفات، ويرى فيها رؤية الله عز وجل ولدينا مزيد: وهي الزيادة والحسنى التي ذكرت وآخر الموعد المذكور في الزبر رؤية الله عز وجل والنظر إلى وجهه في جنة عدن، وألوان النعيم، والحور، والحبور، والقصور؛ يتولد عنده شوق إلى الدار الآخرة -وهذا أيضاً- من فوائد الإيمان المفصل، فأنت ترى الآن أن هذا السياق كله هو في صدد الكلام عن موضوع البعث الذي افتتحت به السورة {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:1-3]

صلى الله عليه وسلم سترجعون، وهذا هو التفصيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015