فقارن هذا مع من كتب الله تعالى لهم حسن الخاتمة مجاهد بن جبر رضي الله عنه مات وهو ساجد.
ولما احتضر حذيفة رضي الله عنه قال: [[اللهم إني أعوذ بك من صباح إلى النار، لا أفلح من ندم، مرحباً بالموت حبيب جاء على فاقة]] وكذلك بلال رضي الله عنه، لما احتضر كان يقول: [[غداً نلقى الأحبة، محمداً وحزبه؛ فلما بكت زوجته وقالت: وابلالاه! واحزناه! قال لها: وفرحاه! وسروراه]] .
خيثمة بن عبد الرحمن، دخلت عليه امرأته وهي تبكي، فقال لها: [[ما يبكيكِ؟! الموت لابد منه.
فقالت: الرجال بعدك عليَّ حرام، فقال: ما كل هذا أريد منك -ما كنت أريد منك كل هذا الشيء- إنما كنت أخاف رجلاً واحداً، وهو أخي فلان- حيث كان له أخ، يقول: أخشى أن يتزوجك بعدي، وكان رجلاً فاسداً يتناول الخمر- فكرهت أن يشرب في بيتي الشراب، بعد إذ كان يتلى فيه القرآن]] فهو يقول: بعد أن كنت أختم القرآن في كل ثلاثة أيام مرة، يشرب أخي الخمر في بيتي: هذا الذي كنت أخشاه.
انظر كيف ختم الله له بهذه الخاتمة الحسنة.
مالك بن دينار لما حضره الموت قال: [[لولا أنني أكره أن أصنع شيئاً لم يصنعه أحد من قبلي من الأنبياء والصالحين؛ لأوصيت أهلي إذا مت أن يقيدوني ويجمعوا يديّ إلى عنقي، فينطلقوا بي على تلك الحال، فإني عبد آبق من مولاه]] يقول: لا أريد أن ابتدع في الدين وإلا أنا أتمنى أن تربط يدي إلى عنقي ويفعلون بي فعلهم بالأسير العبد الذي هرب من مواليه فأمسكوا به؛ لعل الله عز وجل أن يراني على تلك الحالة فيرحمني.
عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: [[اخرجوا فلا يبقى عندي أحد، فخرج من كان عنده وجلسوا عند الباب يستمعون، فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جن، ثم قال: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] ثم مات رحمه الله]] آدم بن أبي إياس ختم القرآن وهو مسجى على سريره ثم قال: " يا رب، بحبي لك إلا رفقت بي في هذا المصرع، كنت أؤملك لهذا اليوم، ثم قال: لا إله إلا الله ثم لفظ روحه ".
الإمام أحمد قال لولده عبد الله: " جئني بالحديث عن طاوس، أنه كان يكره الأنين -هات الحديث- فجاء ابنه وقرأ عليه الحديث عن طاوس: أنه كان يكره الأنين -يكره أن المريض يئن- فقرأه عليه فلم يئن الإمام أحمد إلا في الليلة التي توفي فيها.
يقول ابنه عبد الله: كان يغمى عليه ثم يفيق، فإذا أغمي عليه فتح عينيه، ثم قال بيديه هكذا: لا بعدُ بعدُ، قال: ففي المرة الثالثة قلت: يا أبه ما هذا، إنني أراك تحرك يدك وتقول: لا بعدُ بعدُ، قد لهجت بهذا الكلام ولا أدري له معنىً، فقال الإمام أحمد: إبليس -لعنه الله- قائم بحذائي عاض على أنامله، يقول: يا أحمد فتني يا أحمد، فتَّني، فتَّ علي فأقول له: لا بعدُ بعدُ حتى أموت " يعني ما دام الروح في الجسد، فلا زال هناك خوف من كيد الشيطان.
ولما احتضر أبو الوقت السجزي رحمه الله، أسنده بعض تلاميذه إلى صدره، فقال: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26-27] ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة قال: " يادنيا ما أطيبك، إن طويلك لقصير، وإن كثيركِ لحقير، وإن كنا منك لفي غرور" ثم أنشأ يقول: إن تناقش يكن نقاشك يا رب عذاباً لا طوق لي بالعذاب أو تجاوز فأنت رب صفوح عن مسيء ذنوبه كالتراب محمد بن واسع رحمه الله، كان عنده قوم جلوس وقوم قيام، فقال: ما يغني عني هؤلاء إذا أخذ بناصيتي وقدمي وألقيت في النار، ثم تلا قول الله عز وجل: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41]