السبب الخامس: الإحسان إلى المخلوقين.
فإن الإنسان الذي يبذل نفسه للناس، وماله، وجاهه، وما يستطيع في إيصال الخير الدنيوي والديني إليهم؛ يجد في قلبه من السعادة واللذة الشيء العظيم، وهذا السر وضعه الله عز وجل في قلوب العباد، فتجد الناس الذين تتحرك أريحيتهم لخدمة الآخرين والإحسان إليهم، وإيصال ألوان المعروف إليهم يشعرون في قلوبهم بلذة وسعادة بالبذل، أعظم بكثير مما يشعر الآخذون بالأخذ، أي الكرماء والأجواد، الذين جبلوا وطبعوا على ذلك، يشعرون بلذة العطاء، أكثر بكثير مما يشعر الآخذ بالفرح والسرور واللذة، لهذا المال الذي أخذه.
ولكن يشترط لذلك: أن يكون هذا العطاء، وهذا الإحسان الذي تقدمه للآخرين، بدون انتظار مقابلٍ من الناس، فإن الذي يحسن إلى الناس، وهو يشعر بقيمة العطاء، ويشعر بأنه أعطى وقدم، ويدرك قيمة ما بذل، يصبح منتظراً أن يرد الناس إليه الجميل، وأن يقابلوا إحسانه بالإحسان، ومعروفه بالمعروف، فيفاجأ بأن كثيراً من الناس قد لا يكونون كذلك.
فكم من إنسان تحسن إليه فيسيء إليك، أو على الأقل لا يشعر بقيمة هذا الإحسان، فمن أعطى وهو ينتظر المقابل، فإن عطاءه لا يدوم، بل سرعان ما يخيب أمله في الناس، وينطوي على نفسه، ولذلك لو قرأتم في بعض كتب الأدب -مثلاً- لوجدتم فصولاً في ذم مخالطة الناس، وفي عيب الناس، ووجدتم كثيراً من القصص والأحداث.
فمن أعطى الناس من أجلِ الله عز وجل، ودون انتظار مقابل من الناس يشعر في قلبه بالسرور أكثر بكثير مما يشعر غيره من الناس، وبضد ذلك فإن الإنسان الذي يمنع عن الناس عطاءه؛ يجد في قلبه من الظلمة بقدر ذلك.
ولذلك جاء في الصحيحين عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلاً للمتصدق والبخيل، فقال: {مثل المتصدق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، من تراقيهما إلى ثدييهما، فالمتصدق إذا أراد أن يتصدق اتسعت هذه الجبة أو الجنة، حتى تقفو بنانه وتعفو أثره، أما البخيل فإنه إذا أراد أن يتصدق لزقت كل حلقةٍ من هذه الجبة مكانها وتضايقت، فلا ينفق أبداً} .
فهكذا الكريم إذا أراد أن يتصدق وهكذا البخيل، وأشد من ذلك من لم يقتصر على منع خيره عن الناس، بل تعدى ذلك إلى إيصال شره إلى الناس بالظلم -مثلاً- فإن الذي يظلم الناس لا يشعر للسعادة بطعم، فهو يدرك دائماً وأبداً أن هذا الظلم سيحيق به يوماً من الأيام، ويتذكر هؤلاء الناس الذين ظلمهم وأساء إليهم؛ فيشعر بالحزن والهم والغم؛ لذلك.
فاحرص -أيها المسلم- إن كنت باحثاً عن السعادة على أن تكون كريماً معطاءً جواداً، ليس بالمال فقط، بل جواداً بنفسك، تجود بالابتسامة للناس، وبالعطاء، والإحسان، تجود بالإحسان بكل صوره وألوانه، وانظر كيف كان إمامك ومتبوعك، صلى الله عليه وسلم يحسن إلى الناس، فاقتفِ أثره في ظروف الإحسان، تجد لذلك من اللذة ما يغريك للزيادة والمواصلة في هذا الطريق.