محبة الله تعالى

السبب الثالث من أسباب تحصيل السعادة: محبة الله تبارك وتعالى بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم بذكره.

ولذلك كان العباد والمحبون يعيشون في أعلى درجات السعادة، حتى يقول قائلهم: إنه لتمرُّ بالقلب ساعات يرقص فيها طرباً، حتى إنني لأقول: إن كنت في الجنة في مثل هذا، فإني إذاً في عيشٍ طيب ساعات يرقص القلب فيها طرباً، ابتهاجاً بالقرب من الله تبارك وتعالى والأنس بذكره، والتلذذ بمناجاته، وبضد ذلك، فإن من أسباب الشقاوة أن يتعلق قلبك بغير الله عز وجل.

ولذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: من تعلق قلبه بشيءٍ غير الله تبارك وتعالى عذب به، وذلك لأن الإنسان قد يتعلق قلبه بغير الله، من المحبوبات والمعشوقات، بالصور الجميلة، سواء كانت صورة امرأة، أو صورة شاب، أو كانت تعلقاً بدنياً، أو بجاهٍ، أو بأي أمرٍ آخر، فيصبح قلبه متألهاً لهذا المحبوب متعبداً، حتى ليقول القائل من هؤلاء المصابين بلوثات الوثنية عن محبوبته: لا تدعني إلا بياعبدها فإنه أشرف أسمائي وحتى ليبلغ تقديس الوطن -مثلاً- على لسان أحد الشعراء أن يقول: وطني لو صوروه لي وثناً لهممت ألثم ذلك الوثنا ويقول آخر: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي إذاً: تعلق القلب بغير الله تبارك وتعالى سببٌ لأن يعذب الله هذا القلب المتعلق بغيره، بهذا الشيء الذي تعلق به، فتجد واحدهم -مثلاً- قضى حياته كلها بالتعلق بمعشوقة بغض النظر عمن تكون، ثم لم يتح له أن يجتمع بها، ولا أن يسعد -فيما يعتقد- هو بلقائها، فمات محروماً من الخير كله، لا هو حصل على ما يريد من هذه المحبوبة، التي ملأت عليه قلبه، ولا هو عاش حياته بعيداً عن هذا الشقاء، فمات ميتة التعساء الأشقياء.

وليس يغني عن هؤلاء العشاق شيئاً أن يكون بعض الناس يقرءون قصائدهم فيجدون المتعة فيها، فأي غنى لهذا العاشق وهو في ظلمة قبره أن يردد الناس اسمه، أو يتغنوا بقصائده، أو يتمدحوا بالمواقف التي حصلت له، إنها الشقاوة تحيط به، وتحيط بقلبه من جميع جوانبه، وهكذا من تعلق قلبه بغير الله تعلق حبٍ وذلٍ وتأله، فإنه يعذب بهذا الشيء الذي تعلق به.

ولذلك تجدون الشباب الذين يركضون خلف الأغاني المنحرفة، ويكثرون من سماعها، فتتأثر قلوبهم بذلك، تجد أنه لا مكان للقرآن، أو للذكر، أو للذة المناجاة في قلوبهم، وهذا مصداق ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله حيث يقول: حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015