عدم اعتماد دلالة الحديث

السبب الخامس: وجود معارض راجح لهذا الدليل.

أي: الدليل ثابت عندي وصحيح، لكن عندي دليلٌ آخر، وهو في نظري أقوى منه، فأترك هذا الدليل؛ لأن عندي دليلاً آخر أقوى منه فأغلبه عليه، وغيري يرى هذا الدليل هو الأقوى فيغلبه وبالتالي يقع الاختلاف.

ولعل من الأمثلة -أيضاً ضمن ما ذكرنا في قضية نوا قض الوضوء- مسألة مس الفرج، هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ فعندنا فيه حديثان متعارضان أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم: {من مس ذكره فليتوضأ} هذا دليل على وجوب الوضوء من مس الذكر، وكذلك المرأة تتوضأ إذا مست فرجها، لحديث: {من مس فرجه فليتوضأ} .

والحديث الثاني: {أن الرسول عليه السلام سئل عن الرجل يمس ذكره أعليه الوضوء؟ قال: لا إنما هو بضعة منك} أي: قطعة منك كما لو مسست رجلك أو أنفك أو أذنك فلا وضوء في ذلك، فهذان دليلان متعارضان في الظاهر، فبعض العلماء يرجح الأول فيقول: بوجوب الوضوء من مس الذكر، وبعضهم يرجح الثاني فيقول بعدم الوضوء.

وأذكر أن جماعة غير قليلة من العلماء رجحوا الدليل الأول وقالوا بوجوب الوضوء، وذلك لأنه ناقل عن الأصل، لأن الأصل عدم وجوب الوضوء فلما جاء هذا الدليل عرفنا أن هناك نسخاً، وأن حديث: {إنما هو بضعة منك} منسوخ وآخرون جمعوا بين الدليلين باستحباب الوضوء من مس الذكر وعدم وجوبه.

هذه الأسباب الخمسة هي أسباب شرعية وطبيعية، لا لوم ولا تترتب على من وقع في اختلاف سببه واحد منها، ويمكن أن نعيدها باختصار وهي: أن لا يبلغ الدليل للعالم.

أو يبلغه ثم ينساه.

أو يبلغه لكن لا يثبت عنده.

أو يبلغه لكن يرجح عليه دليل آخر أقوى منه؛ لأن دلالته ظنية وليست قطعية.

وألا يعتقد دلالة الحديث على المقصود.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015