الوعد بتجديد الدين

والبشارة الثانية: هي ما رواه أبو داود في سننه وأطبق العلماء على تصحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها} وإذا كان بعض العلماء قد تحدث عن التجديد في القرون الأولى، وأشاروا إلى أن عمر بن عبد العزيز في القرن الأول، وأن الشافعي في القرن الثاني وهكذا، فإن المقصود ليس فرداً واحداً، بل إن الراجح من أقوال العلماء أن المجددين لأمر هذا الدين ولهذه الأمة؛ إنما هم طوائف مختلفة من شتى أصناف الناس، بعضهم يجدد أمر العلم، وبعضهم يجدد أمر الدعوة والتربية، وبعضهم يجدد أمر الجهاد والقتال.

وهكذا لكل لون من ألوان الحياة صورة من صور التجديد يقوم عليها طائفة من الطوائف، ومن العسير أن تنحصر صور التجديد كلها في فرد واحد، ولو أمكن أن يقال ذلك في عمر بن عبد العزيز باعتباره اجمع له ما لم يجتمع لغيره، فإن من العسير -كما قال الحافظ ابن حجر - أن يتحقق ذلك فيمن بعده ممن ادعي لهم وصف الانفراد بالتجديد.

إذاً: فيجب أن يكون عندنا أمل كبير -ولا أقول أمل- بل يجب أن يكون عندنا قناعة تامة بأن الله عز وجل وعدنا وعداً ثابتاً على لسان رسوله صلى الله وعليه وسلم، أنه سيجدد لهذه الأمة أمر الدين كلما اندرس، وهذا الوعد قائم حتى يأتي أمر الله، وآخر من يجدد أمر هذا الدين هو المهدي أو عيسى ابن مريم عليهما السلام، ولذلك لما تحدث الحافظ العراقي عن المجددين حتى وصل إلى القرن السابع قال رحمه الله في منظومة له: والظن أن الثامن المهدي من ولد النبي أو المسيح المهتدي فالأمر أقرب ما يكون وذو الحجى متأخرٌ ويسود غير مسود فظن رحمه الله أن المجدد في ذلك القرن هو المهدي أو عيسى عليهما السلام، وقد تبين لنا خطأ هذا الظن، فقد وجد بعد هذا القرن قرون ولازلنا الآن في القرن الخامس عشر، والغيب بيد الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015