التعرف إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله

أولاً: التعرف إليه سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، وربوبيته وألوهيته، فإنها تزيد العبد حباً له، وخوفاً ورجاءً.

لقد صورت أساطير اليونان لهم آلهتهم المدعاة على أنها أشباح مخيفة، تطارد الإنسان وتهاجمه، وتغضب عليه وتحاربه، وتكيد له، وشاع هذا عند اليونان، ثم انتقل عبر ثقافاتهم وكتبهم المترجمة إلى سائر الأمم الأخرى، أما أمة الإسلام فإن أكثر كلمة يرددها المسلم هي كلمة بسم الله الرحمن الرحيم، اشتملت على ثلاثة أسماء لله عز وجل: أولها: الله ثم الرحمن ثم الرحيم، وهذان الاسمان متعلقان برحمته بعباده، رحمةً عامة وخاصة، فهو رحيمٌ بعباده، رحيمٌ بالمؤمنين، رحمة في الدنيا ورحمة في الآخرة، إنها دعوة إلى التوبة إلى الله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى جنابه تعالى، والتفويض إليه عز وجل، فإن لله تعالى من الأسماء والصفات ما يدعو العبد إلى القرب من الله تعالى، والدنو إليه، والفرار منه إليه: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:50] {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة:118] .

فكل شيءٍ إذا خافه العبد فر منه، إلا الله تعالى فإنه إذا خافه فر إليه، كما أن له من الأسماء والصفات ما يزجر الوالغ في المعصية عن معصيته، ويردعه عن التمادي فيها، ولهذا قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:50] .

ولأن الله تعالى رحيم ودود، حليم كريم جواد لطيف، لما سمع أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند ابن ماجة وأحمد يقول: {ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره} أي: تغيير حال الناس، سأل الأعرابي رسول الله وقد تعجب بفطرته وبساطته، وبعده عن التعقيد، وعن التأثر بالمنطق والكلام الوافد على هذه الأمة، الدخيل على ثقافاتهم فقال: {يا رسول الله! أو يضحك ربنا؟! قال: نعم، قال: لن نعدم من ربٍ يضحك خيراً} وفى صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لقد عجب الله من صنيعكما البارحة} ومثله أيضاً في الصحيحين: {يضحك الله عز وجل إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة} والحديث معروف.

إن الرجل الفطري لا يحتاج إلى قوانين المنطق، ولا إلى تطويل الكلام وتهويله وتصفيفه، فيأخذها سهلةً ميسرة إن أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم عن ربه بشيء.

فهو أولاً: صادقٌ أمين، وما هو على الغيب بضنين عليه الصلاة السلام.

وهو ثانياً: بليغ في ذروة الفصاحة، فلا يمكن أن تخونه العبارة أو يخطئ في اللفظ.

وهو ثالثاً: ناصحٌ لأمته عليه الصلاة والسلام.

فإذاً يجب التسليم بكل ما قال، ولا يعني هذا أن صفة الله تعالى كصفة المخلوق، فإن الله تعالى لا يشبه أحداً من خلقه، ولا يشبهه أحد من خلقه، فالصفة الثابتة لله تعالى لا تشبه صفة المخلوق، حتى يحتاج الإنسان إلى تأويلها أو صرفها عن ظاهرها، بل للخالق صفة تليق بجلاله وعظمته وكبريائه، وكماله وكمال غناه، وللمخلوق صفةٌ تليق بفقره وذله وحاجته، ولا يشبه هذا هذا.

والخطأ الأساسي الذي وقع فيه المؤولون هو قياسهم الخالق على المخلوق، واعتبارهم أن المخلوق أصلٌ يقاس عليه، ولهذا لجئوا إلى التأويل، ظناً منهم أن إثبات الصفة لله يقتضي إثبات الصفة كالصفة التي يعرفها بشأن المخلوق، وهذا خطأ، فإن الإنسان بشرٌ ضعيفٌ قاصر، وتكييف الصفة أمرٌ لا يطيقه الإنسان، ولا يحيط به علمه، ثم عصم الله تعالى أهل الحق من العبث بالنصوص، فأجروها على ظاهرها وآمنوا بها وقالوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015