الشهادة بتوحيد الله تعالى

أولهما: أن نعبد الله تعالى وحده لا شريك له، فلا نصلي إلا له، ولا نصوم إلا له، ولا نحج إلا له، ولا نتوكل إلا عليه، ولا نعبد إلا إياه، ولا ندعو سواه، فهو الله الذي تألهه القلوب بالحب والشوق، والمحبة والرغبة، والخوف والرجاء والتوكل، فهو الله الواحد الأحد الذي لا يُعبد بحق سواه، هذا هو الأصل الأول.

الأصل الثاني: أن نعبد الله تعالى بما شرع، فلا نعبده بالهوى، والتقاليد، ولا نعبده بالرسوم والطقوس، ولا نعبده بالبدع، بل نعبده بما شرع في كتابه، أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم فليس للعبد أن يعبد غير الله لا ملَكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، ولهذا قال الله تعالى عن الملائكة: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين} [الأنبياء:26-29] .

ولا يعبدون نبياً ولا يعبدون صحابياً، لا علي بن أبي طالب، ولا أبا بكر، ولا عمر، ولا عثمان ولا غيرهم، ولا يعبدون ولياً، ولا صالحاً، ولا شيخاً، ولا عالماً، ولا حاكماً، ولا رئيساًَ، ولا ملكاً، ولا مُشرِّعاً، ولا مقنناً، لا يعبدون إلا الله تعالى وحده، فهو المعبود بحقٍ دون سواه، ولا يعبد الله تعالى إلا بشريعته ودينه، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا هو معنى كلمة الشهادة العظمى، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فهما توحيدان توحيد الله تعالى بالعبادة، وتوحيد النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع.

إن لهذه الكلمة العظيمة شأناً أي شأن، فقد ذكرت في القرآن بلفظها في قوله تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فعلّم الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة -كلمة الشهادة- بلفظ التعليم {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] فغيره من البشر أحوج إلى التعليم بهذه الكلمة، وكذلك في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35] وذكرت في أكثر من أربعين موضعاً بألفاظ متقاربة، على حسب إحصاء الشيخ يحي، جزاه الله خيراً والعهدة عليه، وهي الكلمة الباقية بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف:26] .

فها هنا البراءة من الشرك والمشركين والمعبودات من دون الله تعالى {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف:27] فاستثنى من المعبودات ربه عز وجل، ثم قال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:28] ولهذا تبرأ المؤمنون من الأوثان والأنداد، والآلهة المدعاة من دون الله عز وجل، وأقروا بالألوهية لله تعالى وحده، وهذا معنى لا إله إلا الله، فأولها نفيٌ هو بمعنى (إنني براءٌ) وثانيها إثبات هو بمعنى (إلا الذي فطرني) ولهذا قال العلماء: ركنا الشهادة نفيٌ وإثبات، وكما قال الشاعر: والحق ركنان بناءٌ وهدّام فهي تبني العبودية لله، وتهدم كل عبوديةٍ لغير الله تعالى، فالنفي براءةٌ من الطواغيت حجراً كان أو بشراً أو شجراً أو مادةً، أو معنىً أو وثناً، أو قانوناً أو شخصاً، أو غير ذلك، والطواغيت كثيرة، ومن رؤوس الطواغيت الشيطان {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس:60-61] .

الثاني: الحاكم الذي يحكم بغير شريعة الله، يحكم بالقانون الروماني، أو الفرنسي، أو العربي المخالف لشريعة الله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] الفاسقون، الظالمون.

الثالث: المغير لأحكام الله تعالى، المقنن المشرع، الذي يضع القوانين والتشريعات والنظم، المبنية على أصول وقواعد غير الشريعة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60] .

رابعهم: من يدعي علم الغيب {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} [الجن:26] {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] فمن ادعى علم الغيب كأن يدعي أن يعرف متى تقوم الساعة، أو يعرف آجال الناس، أو يعرف الأسرار التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، فهذا طاغوت يجب الكفر به.

الخامس: المعبود من دون الله تعالى إذا رضي بهذه العبادة {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:29] .

والبهرة اليوم وهم طائفة منشقة عن المسلمين، اتخذت لنفسها ديناً وثنياً شركياً، يعبدون فيه غير الله، وقد رُؤوا بالعيان يسجدون لـ أغاخان زعيمهم وشيخهم، ويقدسونه حتى في رباطهم في البلد الحرام في مكة شرفها الله تعالى.

وبعض الحكام أيضاً يسمعون من الإطراء والمديح والثناء ما يرفعهم إلى درجة الربوبية، ويعطيهم حق الألوهية، فلا يمتعضون بل يفرحون ويطربون، وقديماً وقف أحد الشعراء أمام الحاكم الفاطمي العبيدي فقال له: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار فطرب لذلك وجازاه على هذا الشعر؛ فكل هؤلاء من الطواغيت، التي يجب الكفر بها ومحاربتها، والإيمان بالله تعالى وحده.

فمعنى لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله تعالى، أما المعبودات بالباطل فهي كثيرة، وهي الطواغيت، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] كثيراً في راتبة المغرب، وفى راتبة الفجر، وفى آخر الوتر؛ وذلك لأن هاتين السورتين اشتملتا على النفي والإثبات، فأما الإثبات ففي (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) التي فيها الإيمان بالله تعالى وتوحيده رباً وإلها معبوداً والإيمان بأسمائه وصفاته، وأما النفي ففي (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) التي فيها البراءة من الشرك والمشركين، والكفر والكافرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015