Q يتعلل كثير من الشباب ممن تفرغوا لطلب العلم عن ترك الدعوة ومخالطة الناس، بأن ذلك يشغلهم عن طلب العلم، فما توجيهكم لهؤلاء؟
صلى الله عليه وسلم فيما يظهر لي أن الإنسان يجب ألا يضرب أمور الدين بعضها ببعض، فالذي أمرنا بالعلم هو الذي أمرنا بالدعوة، هو الذي أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأشياء يزكي بعضها بعضا، فإن زكاة العلم نشره والدعوة إليه، ومن دعا إلى الله تعالى احتاج إلى العلم فطلبه، ثم إن الإنسان يستطيع أن يوفق بين هذه الأشياء بأساليب كثيرة جداً، فإنه إذا حدد لنفسه منهجاً في التعلم واستمر عليه، واقتصر على نوع من مخالطة الناس فيه فائدة ونفع لهم، فإن الوقت يتسع لهذا وذاك.
لكن ينبغي أن يعرف أن الإنسان إذا اعتزل في فترة طلب العلم وطال هذا الأمر، فإنه يصعب عليه فيما بعد أن يحتك بالناس، أي لا يجب أن تتصور أن الإنسان هو عبارة عن آلة إن شئت أن توجهها هاهنا أو توجها هاهنا، إن شئت تشغلها أو توقفها، لا! الإنسان ليس كذلك، الإنسان لحم ودم ومشاعر، فالذي ما تعود على مخالطة الناس اكتفاءً بطلب العلم وتحصيله، حين يشعر بالحاجة إلى مخالطتهم، تخونه نفسه أحوج ما كان إليها، ولذلك بعض الناس لا يستطيع أن يتحدث مع الآخرين، إذا دخل على صاحب بقالة مثلاً لا يستطيع أن يماكسه في الثمن، إذا قال له: هذه السلعة بكذا أخذها ولو كانت بضعف الثمن، لا يستطيع أن يماكسه في الثمن، لماذا؟ لأنه ما تدرب على الاحتكاك بالناس ومخالطتهم، فإذا ما ربى الإنسان نفسه على هذا الأمر فقد لا يطيقه إذا ما احتاج إليه.