أمرٌ آخر علاقة الدرس بالطالب: أن السلف الصالح رضي الله عنهم كان الشيخ قدوة لطلابه في كل شيء، أما اليوم فتجد علاقة المدرس بالطالب تنتهي حين يخرج من المحاضرة وبصفة أكيدة تنتهي حين ينتهي الطالب من دراسة هذه المادة أو هذا المقرر الذي يدرسه له هذا الشيخ، فلم يستفد من هدي المدرس وسمته وأدبه وخلقه وهديه، إنما استفاد مما ألقاه إليه من علوم خلال محاضرات معدودة محدودة، ولذلك غاب القدوة عن الطالب وأصبح كثير من المدرسين في العلوم الشرعية وغيرها ليسوا على المستوى الذي يدعو الآخرين إلى الاقتداء بهم، بل في كثير من البلاد الإسلامية الأخرى قد يكون مدرس العلوم الشرعية هو أضعف المدرسين؛ لأنه لا يتخصص في العلوم الشرعية في تلك البلاد إلا من تكون إمكانية التحصيل عنده ضعيفة، فلا يستطيع أن يتخرج مثلاً من الطب أو من الهندسة أو من العلوم فيتجه للكليات الشرعية، آل الأمر إلى الصورة التي ذكرها ابن جماعة الكناني لبعضهم في تدريس من لا يصلح، ذكر أن بعض الشعراء كان يقول: تصدر للتدريس كل مهوس جهول يسمى بالفقيه المدرسِ فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلسِ لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلسِ ومع الأسف فإن ابن كنانة -رحمه الله - كان يهجونا جميعاً بمثل هذه الأبيات وله الحق في ذلك وإن كان هذا لا يمنع من استثناء العلماء الأفاضل والفقهاء المخلصين والدعاة العاملين، الذين نجزم ونقطع بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أن هذه الأمة لا يمكن أن تخلو منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل.