إن الإنسان ربما يستميت مع جلسائه، ويطيل البقاء معهم، ويخدمهم ويهمل والديه، وربما ذهب الشاب بأمه إلى السوق -مثلاً- فأنزلها وهو مسرع؛ لأنه على موعد مع بعض الأصدقاء أو مع من يعشق ويحب، فيذهب إلى هؤلاء راكضاً ويتأخر عن أمه.
فإذا جاءت أصبح يتكلم معها بشدة وينهرها ويغلظ لها في القول، ويتعذر ويتعلل دائماً بأنه مشغول وعلى ارتباط وعلى موعد، ولو أنه صارح نفسه وكشف الأمر، لأدرك ودرى أن مثل هذا الأمر لا يدعو أبداً إلى أن يتعامل مع أهله بمثل هذه الطريقة، فيكون إمبراطوراً على أمه أو أبيه أو أخته أو أخيه، وأما مع أصدقائه فهو حملٌ وديع، فالأقربون أولى بالمعروف.
البعض من الشباب يعيبونه إذا كان خاضعاً لإرادة والديه، أو كان والده مسيطراً عليه، ويعتبرون هذا دليلاً على نقصه وعدم قدرته على التخلص من الضغوط والاستقلال بنفسه، ولا يزالون يزينون له التمرد على سلطة الوالد؛ حتى يستطيعوا أن يتفردوا به ويذهب معهم كيفما شاءوا.
أعرف بعض الشباب كانوا صالحين، وكان الشاب الصالح مطيعاً لوالده لا يخرج إلا بإذنه، فكان أبوه ربما يمنعه حتى من مجالس العلم والخير وحلقة القرآن، والخروج مع الأخيار في رحلة، أو المشاركة في المراكز الصيفية، ثم انحرفوا بسبب بعدهم عن الأخيار والحيلولة بينهم وبينهم.
فذهبوا مع الأشرار، فكان الواحد منهم لا يلتفت إلى أبيه ولا إلى أمه، وربما نام خارج المنزل، وربما لم يروه اليوم واليومين والثلاثة، ومع ذلك استسلموا له، ولم يعودوا يعاتبونه ولا يغضبون عليه؛ لأنهم يقولون نريد أن نصبر عليه لعل الله أن يهديه.
وليتهم استخدموا هذا الصبر يوم كان شاباً صالحاً، وشجعوه على مقارنة الأخيار ومصاحبتهم؛ ليكون ذلك سبباً في هدايته وثباته.
إن الإنسان مدني بالطبع -كما يقال- ولا بد له من مجالسة، فعليك أن تبحث عن البديل الصالح، إذا أردت أن تترك جلساء السوء فابحث عن الأخيار، ولما جاء ذلك الرجل التائب من بني إسرائيل إلى الرجل العالم وقال: {إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ قال: نعم، اذهب إلى قرية كذا وكذا فإن فيها قوماً يعبدون الله تعالى فاعبد الله تعالى معهم} والحديث في صحيح البخاري.