إن الشاب يتزين لجلسائه أياً كانوا، فيظهر الموافقة لهم على ما هم عليه، وربما أظهر الموافقة حتى ولو كانت بالكذب، ويتشبع بما لم يفعل، فإن كانوا أشراراً مجتمعون على معصية الله تعالى؛ فإنه يظهر لهم أنه مثلهم على معصية وعلى مخالفة ويفعل كيت وينوي كيت ويفكر كيت، على أقل تقدير من أجل أن لا يزدروه، ولا يعتبروا أنه معقد -مثلاً- أو أنه لا يعيش حياته وشبابه كما يجب، أو أنه محروم من بهجة الحياة الدنيا.
ومثله أيضاً لو كان مع مجموعة من الأخيار؛ فإنه قد يتزين لهم بما يحبون، ويعمل على موافقتهم، ويظهر لهم بعض الأعمال الصالحة في أول الأمر، ثم يعتادها وتصبح جزءً من حياته.
أما أولئك الرفقة من الأشرار، فإنهم يجرونه أولاً إلى السفر، مرة إلى الرياض وأخرى إلى جدة، أما في المرة الثالثة فإلى ما يعلم الله تعالى في مكان ناءٍ من الأرض.
وعموماً الإنسان يختار من الأصدقاء من يوافقونه، فهو لن يبحث عن هؤلاء إلا لما يشعر أن هناك نوعاً من الالتزام والتواطئ بينه وبينهم، ولهذا كما قال مالك بن دينار وغيره: [[إنك ترى أن الطيور بعضها مع بعض]] فأنت تجد العصافير بعضها مع بعض، والصقور بعضها مع بعض، والحمام بعضها مع بعض وهكذا بنو آدم.
ولذلك فيما يتعلق بالبشر انظر من هو صديق النبي صلى الله عليه وسلم؟ إنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، انظر من هو قرين أبي جهل -فرعون هذه الأمة؟ إنهم عتبة وشيبة أبناء ربيعة وأمثالهم من الكفار المشركين، انظر من هو قرين فرعون؟ إنه هامان وقارون وأمثالهم من المستكبرين.
ولهذا قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27-29] .