{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] اجتمع وزراء البيئة في دول أوروبا -واسمع هذه الأخبار- وكان أكثر الموضوعات التي طرحوها إثارةً للجدل: اقتراحٌ يدعو إلى تصدير التلوث إلى العالم الثالث، وبصورة أكثر وضوحاً، يدعو إلى نقل النفايات والمواد الملوثة إلى العالم العربي والإسلامي، وقبل هذا المؤتمر بأسابيع، كان هناك خبيرٌ اسمه: ألويس سومرز، وهو كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي، يقترح تصدير الصناعات التي ينتج عنها التلوث إلى دول العالم الثالث.
وأستأذنكم أن أقرأ عليكم تقريراً منشوراً في غاية الخطورة عن هذه القضية، قضية نقل التلوث إلى العالم العربي والإسلامي، هذا التقرير نشر في عدد من الصحف، منها صحيفة المجتمع الكويتية، ومنها جريدة المدينة التي تصدر في هذا البلد، وهو تقرير -كما ذكرت- غريب وخطير في نفس الوقت.
يقول -بعد كلامٍ طويل- يتكلم عن أن الغرب يصدر كل شيء ملوث إلى العالم الإسلامي دون تحفظ، ويقول: إن أمريكا اكتشفت أن هناك بعض البيجامات المصنوعة تسبب السرطان، وفوراً منع تداول هذه البيجامات، وفوراً قامت الشركة التي أنتجتها بتصديرها إلى دول آسيا وإفريقيا، وفي خلال تسعة أشهر بعد المنع، استطاعت أن تصدر ما يزيد على مليوني بجامة إلى أطفال هذا العالم آسيا وإفريقيا.
رغم أن حكومة كارتر في الأسابيع الأخيرة، قد تيقظت أو تيقظت إنسانيتها فيما يزعمون، وطالبت بعدم تصدير أي مواد ملوثة إلى العالم العربي والإسلامي، إلا بعد أن يُخطَروا ويُخْبروا بذلك، أي: لا يصدر إليهم أي شيء ملوث دون أن يعلموا، بل ينبغي أن يخبروا أن هذه المواد ملوثة، وأنتم وشأنكم بها، رغم ذلك، وأن هذا تم قبل خمسة أيام فقط من انتهاء الحكم، إلا أن أول شيء فعله الرئيس ريجان بعده، وبعد وصوله إلى كرسي الرئاسة هو إلغاء القرار السابق، القاضي بعدم تصدير مواد سامة إلى العالم الثالث دون علمه.
وصدر قرار ريجان بعد بضعة أيام من وصوله إلى الحكم، ولا تزال القوانين الأمريكية والأوروبية حتى هذه اللحظة تبيح تصدير جميع المواد السامة، والأغذية الملوثة، والمواد المسببة للسرطان، والمبيدات الحشرية الممنوعة في أوروبا وأمريكا، تبيح تصدير ذلك كله إلى أي دولةٍ من دول العالم الثالث، ودون أن تخبر هذه الدولة بالمواد السامة المرسلة إليها.
ورغم وجود لجان لحقوق الإنسان في الكونجرس، وكثرة الحديث عنها في أجهزة الإعلام، إلا أنه يبدو أن تعريف الإنسان عندهم يختلف من بلد إلى آخر، فالإنسان الأوروبي أو الأمريكي أو الأبيض؛ هو فقط الجدير بهذه الحقوق، أما الإنسان المسلم، أو الإنسان الموجود في آسيا أو إفريقيا فليس إنساناً أصلاً عندهم، ولا يمكن أن تكون له حقوق، حتى مثل الكلاب.
أقول: حتى الكلاب تتمتع في المجتمعات الأوروبية والأمريكية بحقوق لا يتمتع بها الإنسان هنا في نظرهم، لو أعطي كلبٌ في أوروبا أو أمريكا مواد سامة، لقامت المظاهرات والاحتجاجات، وقد حصل هذا فعلاً، مظاهرات ضخمة قامت، وكان يتقدمها أعضاء الكونجرس أنفسهم، وكذلك رجال الكنيسة، لماذا؟ لأن هناك كلب أو كلبة اسمها (لايكا) ، أرسلها الروس إلى الفضاء في أول رحلة فضائية، قبل أن يرسلوا أي إنسان، وسالت دموع رجال الكهنوت، وقامت لجان المدافعة عن حقوق الكلاب والخنازير، تحتج على إرسال الكلبة (لايكا) إلى الفضاء! ودموع التماسيح هذه ما سالت من أجل إرسال السموم إلى دول العالم الثالث، دول العالم الإسلامي.
إن جميع البضائع والمنتجات التي تصدر للعالم الثالث، لا تخضع أبداً للمقاييس والشروط الموجودة في أوروبا وأمريكا، فلأوروبا وأمريكا شروطٌ شديدة في السلامة، بينما المواد المصدرة إلى العالم الثالث تخلو من هذه الشروط.
وقد نشرت مجلة نيوزويك في العدد (17) بحثاً طويلاً عن أخطار المبيدات الحشرية المرسلة إلى العالم الثالث، والتي تستخدم خاصة في الزراعة، وذكرت قائمة طويلة من المواد السامة التي ترسل إلى العالم الثالث، دون أي تحذير من الشركات المصدرة، وذكرت ما هي هذه المواد.
وفي كل مجالٍ ترسل المواد السامة والخطرة، والمواد الغذائية الملوثة، وغير الصالحة، والأدوية الممنوعة، أو التي لا تزال على الأقل خاضعة للتجارب ولم يصرح بعد باستخدامها هناك، ترسل إلى دول العالم الثالث وبأثمان باهظة، وتدفع أثمانها هذه الدول الفقيرة من قوتها.
أما الآلات والأدوات الكهربائية، والأدوات المنزلية، والسيارات، والجرارات والجرافات وغيرها، ومواد البناء التي تصدر إلى العالم الثالث، فإنها جميعاً لا تخضع لنفس المقاييس المفروضة في أوروبا وأمريكا، حتى السجائر المصدرة إلى دول العالم الثالث، تحوي ثلاثة أضعاف ما تحويه مثيلاتها المصرح بها في أمريكا وأوروبا من النيكوتين والقطران.
إنها صورة بشعة لحضارة ذلك الإنسان الغربي، حضارة الطين لا حضارة الإيمان والدين.
نماذج لولا أنها حقائق تتكلم عنها الصحف؛ لظنها الإنسان ضرباً من الخيال والمبالغات.