الديمقراطية الهشة

إن دعاوى الديمقراطية هشة، لا يكمن أن تقاوم الإحساس بالخطر من الإسلام في الغرب، كما يحتج البعض -أحياناً- بأشخاص من المستشرقين أو غيرهم الذين قد يكون لديهم نوعٌ من الأنصاف والاعتدال في كتبهم وأطروحاتهم، وأقول: هذا الاعتدال -أحياناً- هو إمعانٌ في الخداع، فهو قد يكون معتدلاً لإقناعنا بأنصاف الحلول.

مثال: أن يأتي مستشرق نعتبره من الغلاة المحاربين المتشددين، فيقول: الإسلام دين الدماء، ودين الحرب، ودين القوة، دين انتشر بالسيف.

فيزعجنا هذا الكلام، فيأتي مستشرقٌ آخر ويتطوع ليظهر بمظهر المعتدل المنصف، ويقول: لا يا أخي، الإسلام دين التسامح، والإسلام دين المرونة، والإسلام دين العقل، والإسلام لم ينتشر بالسيف، والإسلام لا يرضى الحرب -أيضاً-، ولا يخوض الإسلام الحرب إلا مضطراً للدفاع عن نفسه.

فنجد أنفسنا حرجين، فنوافق هذا الإنسان على أن الإسلام لا يؤمن بالحرب إلا دفاعاً عن نفسه، وبذلك نبطل مفهوم الجهاد الشرعي: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193] .

وأقول: قد يوجد من بين أفراد العوام في البلاد الغربية؛ من لا يحمل حقداً على الإسلام، ونحن نعرف أنه كان في الجاهلية من التاريخ العربي مشركون، مثل عبد الله بن أريقط الذي كان دليل الهجرة كما في حديث عائشة في صحيح البخاري، وذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر إلى الغار، كان هذا الرجل هادياً خريتاً دليلاً، ولكنه كان مأموناً، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المهمة الصعبة الخطيرة.

وهناك مواقف شخصية لبعض المشركين، كـ النجاشي مثلاً الذي كان ملكاً على الحبشة، قبل أن يسلم ذهب إليه المسلمون وأقاموا عنده، ومدحه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه {ملكٌ عادل لا يظلم عنده أحد} كما في حديث أم سلمة وهو في مسند الإمام أحمد وغيره وسنده صحيح.

لكن تظل هذه النسبة قليلة جداً ومحدودة جداً، والعبرة أيها الإخوة بالقيادات الكبرى، الرؤوس السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، والقيادات في كل مجتمع، التي تسير هذه المجتمعات، وتؤثر في سلوكها، وفي نظرتها وفي تفكيرها، وفي عواطفها، هذه القيادات في بلاد الغرب واعية ومدركة، وغير متجاهلة للعداوة الدينية بينها وبين المسلمين، وهي تستثير مشاعر الجماهير عند الحاجة، كما كان يعمل بطرس في الحروب الصليبية، لقد مسح أجزاء من أوروبا على حماره، وكان يدعو الناس إلى غزو هذه البلاد التي يقول لهم: إنها تفيض لبناً وعسلا، وتطهير بيت المقدس -كما يزعم- من الكفار، يعني بهم المسلمين.

ولا زال الجميع يحتفظون بذكريات الحروب الصليبية التي قادها هؤلاء، ولقي المسلمون من جرائها أمراً عصيباً، حتى سجلها بعض الشعراء أو سجل جزءاً من المعانات يشبه ما نتحدث عنه اليوم: أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول به على الدين النحيب فحق ضائعٌ وحمىً مباحٌ وسيفٌ قاطعٌ ودمٌ صبيبُ وكم من مسلمٍ أضحى سليباً ومسلمةٍ لها حرمٌ سليبُ وكم من مسجدٍ جعلوه ديراً على محرابه نُصب الصليبُ دم الخنزير فيه لهم خلوف وتحريقُ المصاحف فيه طيب فقل لذوي الكرامة حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا أما لله والإسلام حقٌ يدافع عنه شبانٌ وشيبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015