أما من الناحية النظرية، فإنني أترك الجواب لطاغية من طغاة الغرب، وكبيرٍ من أكابرهم كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الأنعام:123] .
ذلكم هو رئيس النظام الدولي الجديد، ورئيس الولايات المتحدة الذي ألقى خطاباً قبل أيام هو في غاية الدهشة، وأنا أقرأ عليكم الآن أحرفاً يسيرة من هذا الخطاب، لتكتشفوا أن أكبر متحدث باسم النظام الدولي الجديد، الذي يريد أن يفرض هيمنته على العالم، يتحدث من منطلق ديني بحت، فهو يقول بالحرف الواحد: إنه لولا الإيمان وحرية العقيدة في أمريكا لما قامت هذه الدولة العظمى، ولا فتحت ذراعيها لكل المضطهدين في أوروبا وفي العالم، فمنذ أن اكتشف كولمبس أمريكا سنة (1492م) ، وكل موجوع القلب والعقل والمعدة، يحزم متاعه ويتجه إلى أرض الخير الوفير، والثروات الهائلة، والتسامح الديني.
ثم يقول: يستحيل أن يكون الإنسان رئيساً لأمريكا دون أن يكون مؤمناً.
قال: إنها قدسية الحياة والعمل، وإنها الشجاعة الأمينة في قول الحق وشجب الخطأ، والإيمان بالأسرة، وهي القوة الحقيقية لأمريكا، إنها حرية التفكير والخيال والإبداع والعبادة، إن بلادنا في هذا القرن اشتركت في خمسة حروب، في أماكن مختلفة في العالم؛ دفاعاً عن الحق ورفعاً للظلم عن المظلومين -هكذا يقول- ثم أشار إلى انتصار الحرية في حرب الخليج، ثم ذكر: إن الذين حرَّموا الدين على مئات الملايين في الاتحاد السوفيتي قد أعادوه مرةً أخرى، ففتحوا المعابد للصلاة والتوجه إلى الله، إن هذا انتصارٌ للإيمان، وإنها لضرورةُ حيوية، وإن كل إنسان حر في أن يعبد الله -والكلام له- على طريقته دون أن يتدخل أحد بينه وبين الله.
ثم قال: إن الشاعر الأمريكي أوتيمان عندما كان يتحدث وسئل عن سر عظمة أمريكا، فقال: إيمانها بالله.
ثم يقول: إن الإحصائيات الرسمية المؤكدة تقول: أن (90%) من الشعب الأمريكي يؤدون الصلاة في أوقاتها.
والرجل يتكلم من خلال إحصائيات، (90%) من الشعب الأمريكي يؤدون الصلاة في أوقاتها، (90%) يتعبدون ويذهبون إلى الكنائس، والمعابد والمساجد إلى آخر الكلام.
هذا الكلام تجاهلته الصحف العربية، بل وبعض الصحف الغربية، ونشر على استحياء في مجلة اليقظة العدد [1208] في شوال من عام ألف (1412هـ) بعنوان: لولا الإيمان بالله ما كانت هذه العظمة.
دعونا من كل التعليقات على مثل هذا الكلام، فالرجل نحن نعلم أنه نصراني، وأنه قبل أن يخوض أي حرب من الحروب الخمس التي تحدث عنها، كان يذهب إلى الكنيسة، ويصلي من أجل الغرب ومن أجل أمريكا ومن أجل المصالح، ولكنه لم يخجل أن يتكلم بهذا الكلام الواضح البين، وأن يفخر بأن الشعب الأمريكي يؤدي الصلوات في أوقاتها.
قد يقول البعض: إن هذه مناورة انتخابية وهو يستعد الآن لخوض المعركة الانتخابية.
وأقول: لنفترض أن هذا الكلام صحيح، فكون الرجل يتكلم عن الدين، ويمدح الشعب الأمريكي بأنه متدين، أليس دليلاً فعلاً على أن العاطفة الدينية عاطفة قوية هناك، وأنه هو الذي قد ينجح في مخاطبتها، وأن الرئيس نفسه يتودد إلى شعبه من خلال الثناء عليه، والإطراء لتدينه ومحافظته؟ بلى.
هذا من الناحية النظرية.