بيانه بقول النبي صلى الله عليه وسلم

الضرب الأول: بيان القرآن بالقول: أي بقوله صلى الله عليه وسلم وهذا كثير جداً، حتى صنف فيه العلماء مصنفات مستقلة، مثل تفسير عبد بن حميد، وتفسير ابن مردويهوتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير الطبري، وجمع السيوطي في كتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور جمع من ذلك أشياء طيبة، وكثير من كتب السنة تفرد باباً خاصاً بالتفسير النبوي، فمثلاً جامع الأصول لـ ابن الأثير خصص مجلداً تقريباً للمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن، ولم يستقص ما في الكتب الستة وهي: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ومالك في الموطأ، ولم يستقص، بل فرق بعضها في مواضع أخرى، وهو قريب من مجلد كامل.

إذاً: فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وفسر أشياء كثيرة من القرآن الكريم بقوله صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة تفسيره صلى الله عليه وسلم للقرآن ما جاء في الصحيحين عن كعب بن عجرة في تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] فقوله: من صيام، أو صدقة، أو نسك، هذا مجمل يحتاج إلى تفسير، ما الصيام؟ ما مقداره من الصدقة؟ ما النسك؟ ففي الصحيحين: أن كعب بن عجرة قال: أتى بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال عليه الصلاة والسلام: {ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك ما أرى! فهل تجد شاة؟ أو هل تستطيع أن تصوم ثلاثة أيام؟ أو تطعم ستة مساكين؟ أي ذلك، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه} .

فبين عليه الصلاة والسلام تفسير هذه الآية في هذا الحديث.

كذلك جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] بينها الرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك حين تطلع الشمس من مغربها فقال: {إذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون، فحينئذٍ لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} .

كذلك ما ورد في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ثم قال: ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي} ففسر القوة بالرمي، الرمي بكل شيء، الرمي بالبندقية، وبالمدفعية، الرمي بأي شيء.

ومثله -أيضاً- قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8] فعن عائشة رضي الله تعالى عنها في الصحيحين: {أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إنما هو العرض، من نوقش الحساب عذب} فبين صلى الله عليه وسلم أن المقصود بالحساب اليسير هو أن تعرض عليه أعماله وذنوبه ولا يناقش عليها، وإلا لو نوقش الحساب وحوسب لعذب.

ومثله -أيضاً- ما جاء في حديث البراء في الصحيحين في تفسير قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] قال: {إن المؤمن إذا حُضر يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] } وأمثلة ذلك كثيرة جداً، فهذا هو الضرب الأول أن يبين الرسول صلى الله عليه وسلم مراد كلام الله تعالى بكلامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015