من أسباب القسوة على الأهل عند بعض الدعاة

وأيضاً ينبغي أن يراعى أن بعض الدعاة يشحنون الشباب والتلاميذ بقصص المواجهة مع الأهل.

فتجد مثلاً الداعية يذكر كثيراً لطلابه وتلاميذه قصة أبي عبيدة عامر بن الجراح، وكيف قتل أباه، وكيف أن عمر قتل قريبه، وأبا بكر وفلان وعلان، فيذكر قصص المؤمنين الأولين، فينشأ الشاب الصغير أحياناً، وفي قلبه روح المواجهة والتحدي والإصرار، فهو مستعد للمقاومة في البيت، حتى ولو كان آباؤه متدينين وصالحين، فتجده عند أقل خطأ -بل حتى عند أشياء ليست خطأً أحياناً- يثور في وجوههم ويقاومهم ويتكلم في حقهم، وربما خرج من المنزل وتركه لمثل هذه الأسباب.

وقد ذكروا قصة أبي عبيدة كما قلت لكم- مع أن قصة أبي عبيدة في قتله لوالده غير صحيحة - وقد نبه الإمام النووي في كتابه المجموع وغيره من أهل العلم إلى أن قصة قتل أبي عبيدة لوالده غير صحيحة، وأن والد أبي عبيدة قد مات في الجاهلية أو قتل.

لكن ينسى هؤلاء أن يذكروا قصة سعد بن أبي وقاص، وأصلها في صحيح مسلم، وقد رواها الإمام أحمد في مسنده كاملة، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: نزل فيَّ أربع آيات من القرآن، وذكر قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] وذكر قول الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1] وذكر الآية الثالثة، وذكر الآية الرابعة، وهي قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [العنكبوت:8] كيف نزلت؟ لما أسلم سعد قالت أمه: أليس صاحبهم يأمرهم ببر الوالدين وصلة الرحم؟! والله لا آكل طعاماً حتى يكفر، فكانوا إذا احتاجوا إلى أن يعطوها الطعام، شجروا فمها بعود أو عصاً، ووضعوا فيه الطعام بالقوة، فأنزل الله تعالى قوله: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [العنكبوت:8] أي: أنه كان على سعد أن يلطف بأمه، وربما جاء في بعض الروايات أنه قال: والله لو كان لها مائة نفس فماتت نفساً نفساً، ما رجعت عن ديني، وهو لن يرجع عن دينه بطبيعة الحال، لكن كان يستطيع أن يطلب منها أن تأكل وأن يهادئها بغير ذلك، فأمره الله تعالى بالإحسان إلى والدايه حتى ولو كانا مشركين: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [العنكبوت:8] .

إذن ينبغي أن يتنبه الداعية إلى الأثر السلبي لمثل هذه الأساليب التربوية في معاملة الشباب لوالديهم ومجتمعهم، وإلى أن يوجد الموازنة بين مثل هذه القصص والأخبار مع تلك الآيات والأحاديث والقصص والأخبار التي فيها بيان حقوق الوالدين، وحقوق الأهل، والأقارب، والجيران، وحقوق المسلمين إلى غير ذلك، حتى ينشأ نشأة سليمة معتدلة متوازنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015