حكم الإسبال في الصلاة

السؤال يقول: أذكر حديثاً عن الإسبال وهو: {لا صلاة لمن أسبل إزاره} فهل هذا الحديث صحيح؟

صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يسأل بعض الإخوة عن أحاديث هل هي صحيحة أم لا؟ فعلى الأخ أن يتعود الرجوع إلى بعض الكتب، فمهما تحدث المتحدث عن الحديث من أنه صحيح، أو ضعيف، أو جيد فلن يفيدك كما يفيدك لو رجعت إلى كتاب من كتب السنة فأعطاك جواباً موسعاً، ولله الحمد كتب السنة أصبحت ميسورة خاصة بعد ظهور الفهارس، ارجع مثلاً إلى فهارس كتب السنة وهي كثيرةٌ جداً، ارجع إلى كتب السنة المؤلفة على حسب حروف الهجاء مثلاً: كتب الأحاديث المشتهرة معظمها مصنفة على حسب حروف الهجاء: أب ت ث وهي تتكلم عن الأحاديث المشتهرة المتداولة بين الناس، فاقرأ فيها وستجد غالباً الأحاديث المشتهرة، والحكم عليها وعلى من خرجها وهذا الحديث {لا صلاة لمن أسبل إزاره} أظن أن السائل يقصد الحديث الذي رواه أبو داود في قصة الرجل الذي مر بالنبي صلى الله عليه وسلم فصلى، ثم سلم عليه فقال له النبي صلى الله عليه: {ارجع فتوضأ، فرجع فتوضأ وصلى، ثم مر على النبي صلى الله عليه فسلم، فقال: ارجع فتوضأ ثلاثاً، فقال له رجلٌ: يا رسول الله، إنه مر عليك، فقلت له: ارجع فتوضأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه مسبل وإن الله لا يقبل صلاة رجلٍ مسبلٍ إزاره} والحديث اختلف العلماء فيه، فقال الإمام النووي في رياض الصالحين إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الإمام المنذري الحديث في إسناده أبو جعفر وهو رجلٌ من أهل المدينة لا يعرف اسمه، والذي يظهر والله أعلم أن الحديث لا يصح، لأن متنه مع سنده فيه غرابة، فمتنه فيه غرابة فهذا الرجل يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه فيقول له: اذهب فتوضأ، ما علاقة الوضوء بالإسبال! الرسول عليه الصلاة والسلام أوتي جوامع الكلام، وكان يرشد الإنسان إلى الخطأ الذي وقع فيه بأتم بيان وأوضح حجة وأجلى عبارة، ويبعد أن يأتيه رجل مسبل فيقول له: ارجع فتوضأ، وإنما من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يأتيه الرجل لم يحسن الوضوء كما في حديث عمر في صحيح مسلم، في قصة الرجل الذي كان في قدمه قدر الظفر لم يصبه الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسن وضوءه، فلو كان هذا الحديث صحيحاً لكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهذا الرجل ارفع إزارك، ولو كانت صلاته لا تصح لأنه مسبل، لأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك وأمره أن يرفع إزاره وأن يعيد الصلاة لا الوضوء، فإن العلماء متفقون على أن وضوء المسبل صحيحٌ ولا يحتاج إلى إعادة فيما أعلم، فهذا يجعل الحديث أقرب إلى أن يكون ضعيفاً، وأما المسبل فيوجد في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ما يدل على أنه يقول بعدم صحة الصلاة، ولكن كثيراً من الفقهاء يقولون بأن صلاته صحيحة وهذا هو الأقرب للصواب أنه تصح صلاته، ولو أمَّ قوماً فإمامته مكروهة إن وجد من هو أفضل منه، ولا ينبغي أن يصلي بهم وهو بهذه الحال ولكن صلاتهم أيضاً صحيحة، وإن كان العلماء -فيما أعلم- على أنه يكره للإنسان أن يصلي خلف للفضول مع وجود الفاضل فكيف بالصلاة خلف الفاسق؟! فكيف بالصلاة خلف المسبل الذي ربما يؤدي فسقه إلى وقوعه في كبيرة إن كان هذا الإسبال معه خيلاء.

أيها الإخوة! أسأل الله أن يجمعني وإياكم في جناته، وأن يغفر لي ولكم ما ظهر وما بطن، وما تقدم وما تأخر، وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا على طاعته، وأن يتوفانا على الإسلام، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا، وأن يجعل حياتنا جهاداً في سبيله ودعوةً إليه، وصبراً على ما نلقى فيه، وأن يصلح ظاهرنا وباطننا، وأن يختم لنا بخير، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015