أيها الإخوة: في هذا العصر قد ينتقد بعض الطلبة كثيراً من طلاب العلم أو بعض المشايخ في تقصيرهم في القيام بما أوجب الله عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن فلاناً بلغه كذا، وبلغه كذا، وقيل له كذا، واطلع على كذا فلم يحرك ساكناً، ولا بد من وقفه سريعة عند هذا الأمر، فهذا جانب من التلاوم الذي اتفقنا على ضرورة القضاء عليه، وأن نبدأ بلوم أنفسنا، حيث إن اللوم ينفع الآن، وإلا فقد نتلاوم أو نلوم أنفسنا في وقت لا ينفع فيه اللوم، كما في قوله تعالى حكاية عما يقوله الشيطان في يوم القيامة، حين قال: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22] .
في ذلك الوقت لا ينفع اللوم، لكن الآن ينفع اللوم، فكونك تلقي باللوم على فلان وعلان هذا نوع من التخلص من التبعة، كما إننا كثيراً ما نتلذذ بأن نلقي بأخطائنا على الاستعمار وأعداء الإسلام واليهود والنصارى، فإذا وجدنا ما يضج به المجتمع المسلم اليوم من المفاسد، والمنكرات الظاهرة والباطنة، والبدع، والانحرافات، والتفسخ والانحلال الخلقي والفكري، قلنا هذا من كيد الاستعمار، والصهيونية العالمية، واليهود والنصارى!! صحيح {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] لكن لماذا نسينا أيضا قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ} [آل عمران:120] لماذا نسينا أن اليهود والنصارى لا يستطيعون أن يجتثوا شجرة الإسلام إلا بغصن من غصونها؟ اليهود ما استطاعوا أن يكيدوا في المجتمع المسلم إلا حين كان هؤلاء الناس الذين يحملون أسماءً إسلامية وثياباً عربية هم أخلص من الاستعمار لأهداف الاستعمار، وأصبح شأنهم كما قال أحد دعاة الإسلام، حين قال: ألفاظهم عرب والفعل مختلفٌ وكم حوى اللفظ من زور ومن كذب إن العروبة ثوب يخدعون به وهم يرومون طعن الدين والعرب فكما يقول العوام في المثل العامي: (دود الخل منه وفيه) فالدود في داخلنا موجود منا نحن، فعلينا ألاَّ نلقي باللوم على غيرنا، وننسى الخطأ الذي هو ضعف مقاومتنا واستعدادنا للتأثر بهذه الجراثيم، فالجسم القوي يمتلك المناعة ضد الأمراض بإذن الله، لكن الجسم الضعيف أو الذي فقد المناعة لو أصيب بالزكام لأدى إلى حتفه، كما هو معروف في المرض الجنسي المعاصر الذي هو مرض الإيدز -فقدان المناعة- جسم لا يملك المقاومة، فأدنى جرثومة تحل فيه تؤدي إلى الوفاة بإذن الله، وهكذا الحال في كثير من المسلمين.
إذاً يجب أن ننهي قضية اللوم، ونبدأ بلوم أنفسنا وتصحيح أحوالنا، فهذا جانب يتعلق بإلقائنا للوم على غيرنا من المشايخ وكبار طلبة العلم.
الجانب الثاني: أن كثيراً من هؤلاء العلماء يقومون بأدوار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد لا يعلمها كثير من الناس، ويرون من المصلحة ألا يذكروها.
الجانب الثالث: وهو الذي أركز عليه الآن، أو أؤكد عليه الآن، هو أن الله عز وجل خلق الخلق، وقسم بينهم المواهب، والملكات، والأرزاق، والقدرات، فمن ترى من طلاب العلم أو المشايخ، هؤلاء أعطاهم الله عز وجل ما لم يعطِ غيرهم من العلم والمعرفة والتضلع بالشريعة، وأعني بذلك العلماء العاملين، الذين فعلاً يصدق عليهم أنهم علماء ومشايخ، وليس كل من أطلق عليه هذه اللفظة ممن يستحق أو لا يستحق، فإن هذه الكلمة أصبحت عند الناس مبذولة.
فهؤلاء مَنَّ الله عز وجل عليهم بأن منحهم هذا العلم، لكن لا يلزم من ذلك أن يكونوا كاملين في كل شيء.