واجبات ومطالب على عاتق الدعاة

فالدعاة إلى الله تعالى مطالبون بأمور: أولاً: أن يكون كل واحد منهم ملتزماً بإسلامه وحريصاً على دعوته متفانياً في سبيلها، وهذا شرط لا بد منه؛ وإلا فما معنى بأن توصف بأنك داعية فضلاً عن أن توصف بأنك مسلم.

والحسن البصري رحمه الله يقول: [[ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال]] وبعضهم يروي هذا حديثاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح هذا، بل هو من قول الحسن البصري رحمه الله تعالى، أحد أئمة التابعين.

الأمر الثاني: أن يكون الداعية متقناً لتخصصه أياً كان تخصصه، فقيهاً أو عالماً أو مهندساً أو طبيباً أو إدارياً أو عسكرياً أو خبيراً أو غير ذلك، ينبغي أن يكون الداعية نموذجاً في إتقان تخصصه الذي وجه همته إليه، وأن يحرص في هذا الإتقان على أن يكون في ذلك حصول مرضاة الله تعالى، وأن يعطي المثل الطيب للناس في الداعية الذي يحرص على أن يقدم لهم ما يستطيع من الخدمة في دنياهم وقصده إصلاح دينهم.

الأمر الثالث: الذي يطالب به الداعية هو أن يكون قادراً على إقامة الجسور مع المجتمع، ليحظى بمحبة الناس وتقديرهم، فالفتح الحقيقي هو فتح القلوب وليس فتح البلاد، ولم يكن نبوغ الجيل الأول ولم تكن عظمتهم لأنهم فتحوا بلاد كسرى وقيصر فحسب؛ بل أعظم من ذلك بكثير أن الله تعالى أخضع لهم تلك البلاد، حين انفتحت قلوب الناس لهم فأحبوهم من قلوبهم؛ لما يعرفون من صدقهم وإخلاصهم، ولما يعرفون من حرصهم على مصلحة الناس، ولما يعرفون من زهدهم في الدنيا وتخليهم عن زينتها وأبهتها ولما يعرفون من أنهم نموذجاً حياً للصدق والإخلاص في أقوالهم وأعمالهم فأحبهم الناس حتى قال الكفار: قال أحد المؤرخين البريطانيين الكفار: ما عرف التاريخ من فاتح أرحم وأعدل من العرب.

وهو يعني المسلمين بطبيعة الحال، لكنه يسميهم العرب، ما عرف التاريخ من فاتح أعدل ولا أرحم من العرب.

وكان النصارى يفضّلون أن يحكمهم المسلمون على أن يحكمهم بنو جنسهم من النصارى؛ لأنهم جرّبوا من بني جنسهم فرض الضرائب، والإتاوات، والظلم، والطبقية، والمفاضلة بين الناس، والتسلط، والعنجهية، والعدوان، والقسوة، وجربوا من المسلمين العدل والإنصاف والصدق والتواضع وإعطاء الحق وأخذ الحق، فكان النصارى يفضلون أن يحكمهم المسلمون على أن يحكمهم بنو جنسهم من النصارى، وكذلك غيرهم.

فالفتح الحقيقي الذي استطاع المسلمون أن يحققوه هو فتح القلوب، وقد ترتب عليه فتح البلاد.

وقبل أن يوجد الإسلام في أي بلد، وقبل أن يحكم الإسلام في أي بلد، لا بد أن توجد القلوب التي تحبه، ولابد أن توجد القلوب التي تتطلع إلى عزته ونصره وتمكينه.

أيها الأحبة لا أفشي لكم سراً إذا قلت لكم: إن هذا العنوان: "صناعة الحياة" هو عنوان مستعار، إنما كان دوري فيه إلا الاقتباس، فهو عنوان كتاب لأحد الفضلاء وهو الأستاذ محمد أحمد الراشد، فقد ألف كتاباً صغير الحجم كبير الفائدة سماه: صناعة الحياة، وهو يتكلم فيه عن نظرية في الدعوة إلى الله عز وجل، فيها من الشمولية ما فيها وأنا أثني على هذا الكتاب وأطريه، وإن كان هذا الثناء وهذا الإطراء لا يعني بالضرورة الموافقة على كل ما في هذا الكتاب، فلكل إنسان رأيه واجتهاده، ولكن المقصود أن الكتاب بصفة عامة كتاب مفيد نافع لمن يقرؤه.

أما وجود اختلاف في مسائل أو اجتهادات مختلفة فيها، فهذا أمر لا غرابة فيه، ولا يحتاج إلى تأكيد، ولكنني أقول ذلك؛ لأن بعض الناس قد يفهموا من الثناء أو الإطراء شيئاً ما.

على كل حال فهذا الموضوع لعله أصبح ظاهره إقامة الجسور والعلاقات مع المجتمع؛ بحيث يحسن ظن الناس بالدعاة إلى الله تعالى، وتتعاظم ثقتهم بهم، ويعرفون أن الدعاة إلى الله تعالى هم الناصحون لهم، الحريصون على دينهم ودنياهم، وأنهم أصدق حديثاً من غيرهم، وأقوم قيلاً، وأنهم أكفأ في إدارة شئون الدين والدنيا، وما كان في الدعاة إلى الله من نقص، فإن هذا النقص موجود في غيرهم بصورة أعظم، وما كان في غير الدعاة إلى الله تعالى من كمال فإنه يجب أن يكون موجوداً في الدعاة إلى الله أيضاً بصورة أعظم.

والموضوع على كل حال -كما أسلفت- موضوع شامل وواسع سأتحدث فيه إن شاء الله تعالى في دروس ومحاضرات متفرقة، وأرجو أن يأذن الله تعالى بخروجه ضمن كتاب مستقل يكون أحد سلسلة رسائل ترشيد الصحوة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015