موقف العامة وبعض طلبة العلم من علماء أهل السنة

ولكن فرق بين هذا وبين كون كثير من أهل السنة اليوم لا يحترمون علماءهم، ولا ينظرون إليهم، تجد الطالب المبتدئ مثلاً يقف أمام العالم الذي قضى كثيراً من عمره في البحث والطلب والجهاد، يقف أمامه بلحيته البيضاء، وبورعه وزهده وجهاده، وتجد هذا العالم بسيطاً في ملبسه، ومركبه، ومنزله، ولو كان عند أهل البدع لعظموه، واعتبروه آية من آياتهم، وحجة من حججهم، وما تركوه يمشي على الأرض.

ومع ذلك تجد أهل السنة في الطرف الآخر، تجد شاباً في مقتبل العمر ما طر شاربه يقف أمام هذا العالم، فيرد عليه في مسألة من المسائل بعبارات ركيكة، وألفاظ نابية وقد يسب أو يحط من قدره، فالمطلوب من أهل السنة ليس أن يبالغوا في تعظيم أئمتهم وعلمائهم مبالغة أهل البدعة، فهذا أمر لا يقبله العلماء أنفسهم، ولا طلاب العلم، وإنما المطلوب أن يعرف للعلماء حقهم وقدرهم، وأن يلتف طلاب العلم والعامة حول المشايخ والعلماء، حتى يمكن للعالم أن يأمر وينهى، ويكون له ثقل في الواقع ومكانة.

وبذلك يصبح كل واحد من المسلمين له مكانة، وله منزلة، وله تأثير، فضلاً عن العالم الذي يعتبر قائداً لهؤلاء، ولو نظرنا اليوم في الواقع لوجدنا أن الله عز وجل قد امتن على المسلمين وأهل السنة بمشايخ وعلماء أجلاء، لا يوجد نظيرهم عند أي أمة من الأمم.

وعلى سبيل المثال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، هذا الرجل بتواضعه، وبحلمه وبحسن خلقه الذي وسع الخاص والعام على كثرة من يرتاد مجلسه ومكتبه، وكثرة التفاف الناس حوله، وكثرة ما يرد من الشكاوى، والإشكالات والأسئلة والإيرادات والخصومات وغيرها، وعلى رغم ما قضاه من السنين والعمر الطويل في هذا الصدد، وكثرة ما يلقى من العنت والمشقة إلى غير ذلك.

هذا الرجل بهذه المواصفات ببعده عن الدنيا، بكرمه وجوده الذي هو مضرب المثل، هو أنموذج لما يراد من أهل السنة اليوم، وأقول بصراحة: لو كان مثل هذا الرجل عند غير هذه الأمة، عند أمة أخرى، أو عند طائفة من الطوائف لاعتبروه إماماً وحجة، وأشعلوا الدنيا كلها بالحديث عنه، لكن -لله الحمد- أن مشايخنا وعلماءنا بعيدون عن البهرج، والقيل والقال، وحب الثناء رغبة في التواضع وهضماً للنفس، وهذه من فضائلهم التي يمدحون بها، ولكن هذا لا يعفينا نحن المسلمين وأهل السنة من ضرورة احترام علمائنا، والالتفاف حولهم، وإشعار الآخرين بأننا نوقرهم ونقدرهم، لأنك إذا أشعرت الناس بأنك توقر وتقدر علماءك وقروهم وقدروهم أيضاً، وأصبح للعالم منطق ومكانة، وبإمكانه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على كل مستوى.

أما إذا كان أقرب الناس إلى العالم يتندرون في مجالسهم بنهش عرضه والنيل منه، وينسون ما قاله ابن عساكر رحمه الله حين كان يقول: اعلم أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، إذا كان هذا شأن أقرب الناس إليهم، فما بالك بالأبعدين؟! فكل واحد من أهل السنة عليه واجب ينبغي أن يؤديه، وأن تنتقل المسألة من مجرد اللوم والتقريع، وإلقاء التبعة على الآخرين من مسئولين وعلماء أو غيرهم، إلى أن يلقي كل إنسان باللوم والتبعة على نفسه، ويسأل نفسه بجد، ما هو الشيء الذي يجب أن أؤديه؟ وما هو الدور الملقى علي؟ وهل قمت بذلك؟ ويبدأ بداية صحيحة في القيام بهذا الواجب.

وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى، اللهم وفقنا لصالح القول والعمل، اللهم اغفر لنا الخطأ والزلل، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق، وألسنتنا من الكذب، وعيوننا من الخيانة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015