السبب الثاني: هو الشيطان الإنسي وأعني به قرناء السوء، الذين هم أحياناً أعوان لشياطين الجن على إضلال الإنسان، له فيكون له أصحاب يدعونه إلى الضلالة، ويدعونه إلى الشر، ويزينون له الباطل، كما فعلوا مع أبي طالب حتى وهو في مرض الموت، أترغب عن ملة عبد المطلب؟! حتى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فختم له على الشرك والكفر -والعياذ بالله من شؤم قرناء السوء-! والغريب أن قرين السوء قد يوقعك ثم يذهب وهو يضحك وأنت تبكي!! فقد يجر الإنسان إلى أنواع المهالك والمعاطب؛ فإذا وقع تركه وذهب ينظر إليه من بعيد، ويسخر منه، ويشمت به ويضحك، وقد يتبجح في المجالس أنه أورد فلاناً موارد الهلكة، وعلى كل حال فهم يوم القيامة لا ينفعونك بشيء، فيوم القيامة يفصل بينكم ويقال لكم: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] .
لا أحد يحمل وزر أحد بل كل إنسان قد ألزم طائره في عنقه، ويخرج له يوم القيامة كتابٌ منشور، يُسلَّم إياه ويقال له كما قال الواحد الأحد جل وعلا: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:14-15] .
فحاذر شر شياطين الإنس وابعده عن جلساء السوء، وإن خدعوك بمعسول القول ولين الكلام، وإن أغروك بالمخدرات، وأغروك بالتدخين، وأغروك بالسفر إلى الخارج، وأغروك بالصورة الجميلة، وأغروك بالأغنية ذات الصوت العذب، وأغروك بالموسيقى وأغروك بما يلذ سمعك ويطربه، ويعجبك، ولكن لا تنس أبداً أن العبرة بالمآل وكما قيل: كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها فتكُ السهام بلا قوس ولا وترِ يسر مُقلته ما ضر مُهجته لا مرحباً بسرورٍ جاء بالضررِ أي خير في نظرة حرام يستلذ بها الإنسان لحظة، ثم تورثه حسرة دائمة في قلبه؟! حسرة في الدنيا على فوت هذا الأمر وحرمانه منه، وحسرة في الآخرة، والله الذي لا إله غيره -أقولها خاصة لك أخي الشاب صاحب الورقة، وأقولها لكل إنسان- والله الذي لا إله غيره إن العذاب الذي يشعر به الذي يرتكب الجرائم من الفواحش والكبائر والذنوب العظام، ومن مقارفة ما حرم الله، ومن السفر إلى الخارج، ومن معاقرة الخمور، ومن مجالسة المومسات والبغايا والفاجرات، والله إن العذاب الذي يشعر به في قلبه هو أضعاف أضعاف ما قد يشعر به الإنسان من العذاب في سبيل مقاومة الشهوة، والصبر عليها، والامتناع عما حرم الله، بل إن العبد إذا صبر عما حرم الله تعالى فإن الله تعالى يورثه في قلبه أُنساً ولذة، لذة الانتصار على الشهوة، لذة الانتصار على النفس، لذة مخالفة الشيطان، ومراغمة النفس الأمارة بالسوء، فيقذف الله تبارك وتعالى في قلبه سكينة ولذةً لا يعلمها إلا من ذاقها وجربها.
فلا تنخدع بلذة عابرة، لا خير في لذة من بعدها النارلا، بل قبل النار حتى في هذه الدنيا حسرات.
وعندي أوراق من بعض هؤلاء، والله إن الإنسان إذا قرأها لا يملك عينه أن يبكي، قد يكونون ارتكبوا فواحش كثيرة، وأثموا، وظلموا، وفجروا حتى يظن من يعرفهم أن هؤلاء لا خير فيه وليس في قلوبهم إحساس، لكن إذا قرأ ما كتبوا أو سمع ما قالوا ينكسر قلبه لهم، ينكسر لما يشعر ويعلم في قلوبهم من ذُل المعصية والعياذ بالله ومن عظيم الحزن على ما فعلوا، أما العبد الذي أطاع ربه، فقد يشعر بالحرمان لحظة؛ لكن الله تعالى يورثه من جراء ذلك سعادة وأُنساً: ومن يغضض فضول الطرف عنها يجد في قلبه أُنساً وطيباً فعليك أن تعوذ بالله وتلوذ بكنفه، وتسأله جل وعلا أن يمنحك الصبر، وأن يثبتك وتنظر ما هي الأسباب التي أودت بك من ما زينه لك شياطين الإنس والجن فتعمل على إزالتها، وعليك أن تبحث عن رفقة صالحة، تكون معهم يعينونك على الخير، ويدلونك عليه، وينشطونك إذا كسلت، ويذكرونك إذا نسيت، ويعلمونك إذا جهلت، لعل الله تعالى أن يحشرك معهم في الدار الآخرة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.