إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
هذا يوم الأحد ليلة الإثنين الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول لعام 1412 للهجرة، أما رقم الدرس فهو التاسع والثلاثون من سلسلة الدروس العلمية العامة، وعنوانه كما قرأتم وسمعتم هو: (صناعة الحياة) .
أيها الأحبة أقدم بين يدي هذا الدرس بحمد الله تعالى وشكره والثناء عليه بما هو أهله؛ حيث هيأ لنا عودة هذه الدروس واستئنافها بعد انقطاع لم يطل بحمد الله تعالى، وإني لعلى يقين من أن كل ما يكتبه الله سبحانه وتعالى وبقدره فهو خير لنا، مهما كان ظننا بخلاف ذلك، فإن الله تعالى يختار لنا، واختياره عز وجل لنا خير من اختيارنا لأنفسنا: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] .
وفي الصحيح عن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: {عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن} فكل ما يصيب المؤمن فهو خير له في دنياه وآخرته، مهما ذهبت به الظنون بخلاف ذلك.
كما أنني أود أن أقدم بين يدي هذا الدرس بتنبيه أرى أنه على جانب كبير من الأهمية لمن يستمعون إلى هذه الدروس، ألا وهو أنه جاءتني رسائل كثيرة من أحبة كرام في بلاد الإسلام في مناطق شتى وبلاد مختلفة، وهم يقولون: إنكم يا معشر الدعاة في هذه البلاد تخاطبون فئة معينة من الناس، مع أن الذين يتلهفون إلى سماع الحق وإلى متابعة الدروس هم موجودون في كل مكان، وليسوا محصورين في إقليم أو بلد.
وأقول: إنه يجب أن يكون هذا المنبر موجهاً لمخاطبة من يستمعون إلى هذه الكلمة في أي مكان وفي أي بلد وفي أي إقليم، فليست الأمثلة التي أذكرها، أو الحديث الذي أتحدث فيه، أو الأخطاء التي أتكلم عنها مقصورة على مجتمع بعينه أو أفراد بذواتهم، وإنما أستحضر في ذهني صورة المسلمين في أي مكان وقد أنتزع مثالاً من واقع المسلمين في بلد بعيد، أو أنتزع خطأً من واقع المسلمين في بلد آخر لأتكلم عنه، أو أذكر قضية في شرق البلاد أو غربها، فهموم المسلمين واحدة شرّقوا أم غرّبوا وفي كل مكان، وهذه الحدود والسدود والحواجز الجغرافية والسياسية لا يجوز أبداً أن تحول بين المسلمين بعضهم وبعض.
بل ينبغي أن تكون كلمة الحق للجميع، وأن يتنادى المسلمون إلى توحيد كلمتهم، ولمَّ صفهم، وتقريب وجهات نظرهم، وأن يكون همُّ الداعية إلى الله تعالى هو إصلاح أحوال المسلمين في كل مكان، فهذه الأمةُ أمةٌ واحدة كما وصفها الله تعالى في مواضع من كتابه: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون:52] .
تذوب حشاشات العواصم حسرة إذا دميت في كف بغداد إصبعُ وإن بردى أنَّتْ لخطبٍ أصابها لسالت بوادي النيل للنيل أدمعُ فهي كلها بلاد الإسلام كما قال القائل:- بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني ولي بطيبة أوطار مجنحةٌ تسمو بروحي فوق العالم الفاني فإن طرسوس مهما لج بي دمها أسمى إلى القلب من فاس وتطوان دنيا بناها لنا الهادي فأحكمها أَعْظِمْ بأحمد من هادٍ ومن بان صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.