العمل عند السلف والخلف

السلف ما كانوا يعرفون الفقه الذي هو قراءة الكتب، لا، بل يعرفون أن الفقه إنسان يعلم فيعمل، ويطبق، وينفذ، ولا فاصل عندهم بين هذا وذاك، ولهذا سئل أيوب السختياني وهو من التابعين -رحمه الله- سئل أيهما أكثر العلم اليوم أو في الماضي؟ فقال: الكلام اليوم أكثر ولكن العلم فيما تقدم أكثر، وهذا الكلام يصلح أن يطبق على واقعنا.

فالكلام اليوم أكثر، شقق الناس الكلام، والقيل والقال وفرعوا وغير ذلك، ولكن العلم الذي وصل إلى القلب، وأثمر العمل والصدق هذا قليل، وقيل للإمام أحمد في مجلس ذكر فيه معروف الكرخي وهو من الزهاد العباد الأتقياء وله في هذا أخبار معروفة ذكرها الذهبي وابن الجوزي وغيرهما، تراجع في مظنتها، لكن المهم ذكر في مجلس الإمام أحمد فقال أحد الحضور: معروف قصير العلم، ما عنده علم، قال له الإمام أحمد: أمسك -عافاك الله- كف عن عرض هذا، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟ يقول: ماذا نريد بالعلم إلا النتيجة التي وصل إليها معروف، معروف حصل النتيجة وهي العمل.

وفي حادثة أخرى عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل سئل والده وقال له: يا أبت! هل كان معروف معه شيء من العلم؟ قال له: يا بني! معه رأس العلم، خشية الله تعالى.

وفي حديث أبي موسى وهو في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير} فهذا العالم العامل المعلم كالأرض الطيبة التي نزل عليها المطر فـ {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] .

فأثمر العلم عنده العمل، والعبادة، والدعوة، والصبر، {وكان منها أجادب -أرض صلبة- أمسكت الماء، فنفع الله تعالى به الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا فهذا مثل إنسان عنده معرفة بالنصوص ولكن لا يعمل؛ مثل الأرض ما استفادت من الماء لكن استفاد الناس منها واغترفوا منها، {وكان منها أو أصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءاً ولا تنبت كلأ} فهذا لا عنده معرفة ولا عنده عمل ولا عبادة {فذلك مثل من فقه في دين الله فعمل وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله تعالى الذي أرسلت به} وقال بعضهم في وصف بعض الطلاب: زوامل للأسفار لا علم عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بأسفاره أو راح ما في الغرائر وقد وصف الله تعالى أهل الكتاب بقوله: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015