أما بالنسبة للعالم الإسلامي فثمة أسئلة كثيرة وهو بيت القصيد: هل يأخذ الإنسان المسلم حقوقه التي أقرتها له الشريعة الإسلامية؟! هذا سؤال، بل هل يأخذ حقوقه التي يأخذها نظيره ومماثله في العالم الغربي؟! أقول في الحالين: كلا، هل نحن اليوم نعمل بكلمة عمر التي قالها واضحة صريحة لـ محمد بن عمرو بن العاص قال له: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!]] قال هذا انتصاراً لقبطي جاء يشتكي، هل نأخذ بهذه الكلمة؟ أما أننا نأخذ بكلمة الحجاج الذي كان يقول للناس: من تكلم منكم قتلناه صبراً، ومن سكت منكم قتلناه كمداً، يعني من تكلم يحبس حتى يموت، أما من سكت فإنه يموت غيظاً وحزناً وكمداً.
هل يستطيع المسلم اليوم أن يقول كلمة عمر بن الخطاب لحكامه "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار؟! "أجزم: لا، إنما يستطيع المسلم أحياناً أن يقول هذه الكلمة لحكام دولة أخرى، خاصة حين تكون العلاقة مع تلك الدولة علاقة سيئة، فإنه حينئذ يستطيع أن يقول ذلك.
والتقارير الصادرة عن حقوق الإنسان، تتكلم أن حقوق الإنسان المسلم تهدر بقسوة بالغة بواسطة الحكومات الوطنية في بقاع كثيرة، أو بواسطة القوى الأجنبية في مواطن أخرى.
هناك عدة أشياء: هناك مثلاً أمور يتم انتهاك الحقوق فيها من قبل الحكومات الأجنبية أو الوطنية، وهناك حالات كثيرة يتم انتهاك حقوق الإنسان فيها من قبل أخيه الإنسان.
خذ على سبيل ذلك هذا المثال: التفرقة العنصرية قائمة في بلاد الإسلام كلها بدون استثناء، دعك من جنوب أفريقيا -مثلاً- حيث التفرقة هناك على أشدها، بل حتى في المجتمعات الإسلامية والمجتمعات المتدينة والمجتمعات الواعية، بل أحياناً حتى في أوساط طلبة العلم يصبح الانتساب للقبيلة يشكل حجر أساس في العلاقات مع الناس، وفي تفضيل فلان على علان، وفي القرب أو البعد، وفي التزاوج وغير ذلك، والكثيرون مستعدون أن يسخطوا سخطاً لا رضا بعده لأن فلاناً من أولادهم تزوج من قبيلة أخرى، ولكنهم لا يسخطون قط لو تزوج فلان فتاة منحرفة أو غير ذات دين.
وهكذا أصبح الانتماء للقبيلة أو التفرقة العنصرية أصبحت في نظر الكثيرين أهم من التمييز على أساس الدين، ليس في مجال الزواج فحسب، بل في مجال الزواج والعلاقات الاجتماعية والولاء والتقارب والتفضيل في الأعمال والوظائف والمسئوليات وغير ذلك، فقد تكون جديراً بمنصب أو بموقع أو بعمل أو بزوجة أو شيء من هذا لأنك فلان بن فلان، ولو لم تكن أي شيء آخر.
الجوع والبرد والمرض الذي يقتل اليوم عشرات الآلاف من المسلمين، عدد المهاجرين من الصومال يزيد على مليوني مهاجر للبلاد الغربية، كل هؤلاء يستقبلهم الغرب بالأحضان، وتتنافس الجمعيات النصرانية في تسجيل أطفال المسلمين في الصومال نفسها من أجل أن يذهبوا إلى هناك من أجل تنصيرهم وتعميدهم.
أيضاً كندا تستقبل المسلمين الهاربين من جحيم المعاناة في الصومال تستقبلهم بالإسكانات الحكومية بالمجان، بل تصرف لهم إعانات تسميها بدل بطالة، وتحيل قضاياهم إلى المراكز الإسلامية، وتمنحهم الجنسية الكندية بكل سهولة.
أما في البلاد الإسلامية فيظل المسلمون أوقاتاً طويلة يطرقون الأبواب ثم تغلق في وجوههم، والله -أيها الأحبة- كادت عيني تدمع وأنا أسمع خبراً قبل ثلاثة أيام عن مجموعة من المسلمين الهاربين من الصومال إلى روسيا، والذين تقطعت بهم الأسباب لأن أوراقهم ناقصة، فكل الدول لا تستقبلهم، وروسيا لا تسمح أن يخرجوا خارج المطار لأن أوراقهم ناقصة وتريد أن تسفرهم إلى أي بلد آخر، وبلادهم لا تقبلهم لأنهم -أيضاً- أوراقهم ناقصة وقد يكون فيها شيئاً من التزوير، كل العالم يرفضهم، فظلوا أكثر من ثلاثة أشهر في المطار جالسين، ينامون على الكراتين التي يفرشونها، وهناك طفل عمره ستة عشر عاماً يقولون له أكثر من ستة أشهر وهو يتجول في المطار، يا سبحان الله! كل هذه النوعيات التي تعاني الاضطهاد وتعاني التشريد والتعذيب وتعاني الضياع غالباً ما تكون من المنتسبين إلى هذا الدين! فإن أهل الإسلام اليوم لا بواكي لهم وإلى الله وحده المشتكى، قد أسلمهم حتى الأقربون! مثال آخر: الحرب، تقتل وتشرد الملايين في فلسطين، ثم في يوغسلافيا، وقد نسي المسلمون جرحهم النازف في أرض فلسطين المباركة نسوها بآلام جديدة وجراح جديدة تفتحت عليهم في بلاد أخرى، فإلى الله المشتكى!