المواثيق الدولية التي يتكلمون عنها هي ذات ميزان مزدوج، فهم يكيلون بمكيالين، فأحياناً إذا اعتدي على حقوق الإنسان اكتفوا بالشجب والاستنكار الشفهي، وأحياناً ينتقل الأمر إلى النقيض يضطرون إلى التدخل العسكري كما هو الحاصل في أكثر من موقع، وكما هو حاصل الآن على سبيل المثال في العراق.
نعم، نحن نقول: هبوا أن تدخلكم في العراق لحماية حفنة من الشيعة في منطقة الأهوار، لماذا لا تتدخلوا لحماية الملايين التي تواجه اليوم تصفية عرقية لا مثيل لها في التاريخ كله في أرض البوسنة والهرسك؟! أليس هذا أكبر دليل على أنه ثمة في الغرب مكيالان وميزانان؟! بل أقول: أحياناً يتعدى الأمر إلى أن الغرب يؤيد تلك العنصريات وتلك الاعتداءات على حقوق الإنسان، ويلوي عنق القوانين الدولية من أجل أن تخدم مصلحة هذا الطرف أو ذاك.
فمثلاً الغرب -بالذات أمريكا- اليوم تفتعل الأسباب والذرائع التي تبيح لها أن تتدخل في كل مكان في العالم، وقد سمعت بأذني منذ شهور أخباراً تتكلم على أن هناك دراسات في بعض المحاكم الأمريكية من أجل الإذن لقوات أمريكا بالتدخل لملاحقة مهربي المخدرات -مثلاً- في أي مكان في العالم.
وأحياناً يميل هؤلاء بموازينهم المتناقضة المزدوجة إلى إقرار الأمر الواقع، فمثلاً وجود اليهود أو ما يسمى بإسرائيل في أرض فلسطين المسلمة، هذا الوجود هو وجود غير صحيح، وهي جسم غريب في الأمة الإسلامية، ولكن الغرب يفرض على المسلمين اليوم بالقوة -بقوة السلطان وقوة السلاح- أن يعترفوا بالوجود اليهودي وأن يتعاملوا مع هذا الوجود على أنه أمر طبيعي، وأن يفتحوا حدودهم وبلادهم وعقولهم إلى رياح التغيير اليهودية.
وبالصراحة والصدق أقول لكم: الغرب كله يخطط إلى أن يجعل من الشرق الأوسط منطقة نفوذ إسرائيلية، وأن تكون الأسواق العربية كلها مفتوحة للبضائع الإسرائيلية، وأن تستخدم الأيدي العاملة الرخيصة العربية لمصلحة اليهود، وأن توظف الأموال العربية والإسلامية لخدمة اليهود، وأن يستفيد العرب -زعموا- من الخبرة والتقنية والتصنيع والتحضر اليهودي، هذه هي الخطة التي يسعون إليها فيما يسمى بمؤتمرات السلام، ولذلك طالبت إسرائيل بشدة وقوة ووضوح طالبت سوريا مقابل أن تتنازل لها عن شيء من الجولان أن تجعل هناك علاقات طبيعية بينها وبينها! علاقات إعلامية، علاقات دبلوماسية، علاقات تبادل سياحي، تبادل ثقافي، تبادل أمني، بل تنسيق أمني، وربما في المستقبل يكون هناك نوع من التعاون العسكري.
والغريب أن كل هذه الأمور تتم؛ ربما أقول: على مرآى ومسمع من الشعوب الإسلامية، دون أن تتكلم أو تعبر عن رفضها لهذا التهجين، وربما أقول: على غير مرآى ومسمع من الشعوب العربية والإسلامية التي فقدت إحساسها بنفسها ومعرفتها بكرامتها وشعورها بحقوقها، ولذلك أصبحت لا تقدم ولا تؤخر ولا تعبر عن رأيها في أخص خصائصها وألزم قضاياها.
المهم أن الغرب أحياناً يعمل على فرض الأمر الواقع وفرض الاعتراف والرضا به، كما هي الحال في إسرائيل، وربما يطبق المثال نفسه في أرض البوسنة والهرسك التي يخضع -ربما- أكثر من (70%) من أرضها إلى سيطرة الصرب النصارى الحاقدين.
أما في الكويت فلم يتم اعتماد مثل هذا الميزان، بل تحرك الغرب من أجل طرد المعتدي عن الكويت، ونقول: طرد المعتدي كان لابد منه، ولكن لماذا يكيل الغرب بمكيالين ويزن بميزانين؟!! وفي الغرب أيضاً الذي يتشبث بحقوق الإنسان وينادي بها، نجد أن أجهزة المخابرات الغربية، كالمخابرات الأمريكية (الـ سي آي إيه) إن هذه الأجهزة لا تعرف معنىً للأخلاق، ولا تقيم وزناً للكرامة، بل إنها تستخدم كل وسيلة شريفة أو دنيئة إلى تحقيق أهدافها والوصول إلى مقاصدها، فمن وسائلها القتل وسفك الدم ونهب المال والاعتداء على الأعراض، والخداع والتضليل والتلبيس، إلى غير ذلك من الوسائل التي لا تعرف معنىً للأخلاق والكرامة، ولا شك أن هذه الأنظمة المخابراتية هي المتنفذة في السياسات الغربية والسياسة الأمريكية بوجه خاص، أين حقوق الإنسان إذاً؟!